اعرف رواد حركة التنوير أدباء وشعراء
4 مشترك
الموقع الرسمى لمدينة ميت مرجا سلسيل :: ҉ ][ابداعات شباب وفتيات ميت مرجا سلسيل ][ ҉ :: منتدى الشعر والخواطر
صفحة 1 من اصل 1
اعرف رواد حركة التنوير أدباء وشعراء
تواصلا مع السادة المشاركين
واستكمالا لسلسلة اعرف التى بدأناها
بزعماء واستاتذه ومعلمين وعلماء والعدو الصهيونى
أدعو السادة المارين بتلك الصفحة للبحث والمشاركة
بإضافة أى رائد من رواد حركات التنوير من وجهة نظر العضو المشارك
مع الترحيب بجميع المشاركين وجميع الآراء
ونحن فى انتظار المشاركات الجادة . . . . شكرا ، ، ،
واستكمالا لسلسلة اعرف التى بدأناها
بزعماء واستاتذه ومعلمين وعلماء والعدو الصهيونى
أدعو السادة المارين بتلك الصفحة للبحث والمشاركة
بإضافة أى رائد من رواد حركات التنوير من وجهة نظر العضو المشارك
مع الترحيب بجميع المشاركين وجميع الآراء
ونحن فى انتظار المشاركات الجادة . . . . شكرا ، ، ،
على مجاهد- مشرف منتدى الاخبار والسياسة
-
عدد الرسائل : 1184
رقم العضويه : 17
المهنه :
رقمى المفضل : 0
تاريخ التسجيل : 19/01/2008
الاوسمة
:
الاضافات:
رد: اعرف رواد حركة التنوير أدباء وشعراء
جزاء الله خيرا
hassan mohammed- مرجاوى جديد
-
عدد الرسائل : 9
البلد : مدينة ميت سلسيل شارع العمده
تاريخ التسجيل : 06/06/2008
رد: اعرف رواد حركة التنوير أدباء وشعراء
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمد شوقي.. أمير الشعراء
كان الشعر العربي على موعد مع القدر، ينتظر من يأخذ بيده، ويبعث فيه روحًا جديدة تبث فيه الحركة والحياة، وتعيد له الدماء في الأوصال، فتتورد وجنتاه نضرة وجمالاً بعد أن ظل قرونًا عديدة واهن البدن، خامل الحركة، كليل البصر.
وشاء الله أن يكون "البارودي" هو الذي يعيد الروح إلى الشعر العربي، ويلبسه أثوابًا قشيبة، زاهية اللون، بديعة الشكل والصورة، ويوصله بماضيه التليد، بفضل موهبته الفذة وثقافته الواسعة وتجاربه الغنية.
ولم يشأ الله تعالى أن يكون البارودي هو وحده فارس الحلبة ونجم عصره- وإن كان له فضل السبق والريادة- فلقيت روحه الشعرية الوثابة نفوسًا تعلقت بها، فملأت الدنيا شعرًا بكوكبة من الشعراء من أمثال: إسماعيل صبري، وحافظ إبراهيم، وأحمد محرم، وأحمد نسيم، وأحمد الكاشف، وعبد الحليم المصري. وكان أحمد شوقي هو نجم هذه الكوكبة وأميرها بلا منازع عن رضى واختيار، فقد ملأ الدنيا بشعره، وشغل الناس، وأشجى القلوب.
المولد والنشأة
ولد أحمد شوقي بحي الحنفي بالقاهرة في (20 من رجب 1287 هـ = 16 من أكتوبر 1870م) لأب شركسي وأم من أصول يونانية، وكانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، وعلى جانب من الغنى والثراء، فتكفلت بتربية حفيدها ونشأ معها في القصر، ولما بلغ الرابعة من عمره التحق بكُتّاب الشيخ صالح، فحفظ قدرًا من القرآن وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بمدرسة المبتديان الابتدائية، وأظهر فيها نبوغًا واضحًا كوفئ عليه بإعفائه من مصروفات المدرسة، وانكب على دواوين فحول الشعراء حفظًا واستظهارًا، فبدأ الشعر يجري على لسانه.
وبعد أن أنهى تعليمه بالمدرسة وهو في الخامسة عشرة من عمره التحق بمدرسة الحقوق سنة (1303هـ = 1885م)، وانتسب إلى قسم الترجمة الذي قد أنشئ بها حديثًا، وفي هذه الفترة بدأت موهبته الشعرية تلفت نظر أستاذه الشيخ "محمد البسيوني"، ورأى فيه مشروع شاعر كبير، فشجّعه، وكان الشيخ بسيوني يُدّرس البلاغة في مدرسة الحقوق ويُنظِّم الشعر في مدح الخديوي توفيق في المناسبات، وبلغ من إعجابه بموهبة تلميذه أنه كان يعرض عليه قصائده قبل أن ينشرها في جريدة الوقائع المصرية، وأنه أثنى عليه في حضرة الخديوي، وأفهمه أنه جدير بالرعاية، وهو ما جعل الخديوي يدعوه لمقابلته.
السفر إلى فرنسا
وبعد عامين من الدراسة تخرّج من المدرسة، والتحق بقصر الخديوي توفيق، الذي ما لبث أن أرسله على نفقته الخاصة إلى فرنسا، فالتحق بجامعة "مونبلييه" لمدة عامين لدراسة القانون، ثم انتقل إلى جامعة باريس لاستكمال دراسته حتى حصل على إجازة الحقوق سنة (1311هـ = 1893م)، ثم مكث أربعة أشهر قبل أن يغادر فرنسا في دراسة الأدب الفرنسي دراسة جيدة ومطالعة إنتاج كبار الكتاب والشعر.
العودة إلى مصر
عاد شوقي إلى مصر فوجد الخديوي عباس حلمي يجلس على عرش مصر، فعيّنه بقسم الترجمة في القصر، ثم ما لم لبث أن توثَّقت علاقته بالخديوي الذي رأى في شعره عونًا له في صراعه مع الإنجليز، فقرَّبه إليه بعد أن ارتفعت منزلته عنده، وخصَّه الشاعر العظيم بمدائحه في غدوه ورواحه، وظل شوقي يعمل في القصر حتى خلع الإنجليز عباس الثاني عن عرش مصر، وأعلنوا الحماية عليها سنة (1941م)، وولّوا حسين كامل سلطنة مصر، وطلبوا من الشاعر مغادرة البلاد، فاختار النفي إلى برشلونة في إسبانيا، وأقام مع أسرته في دار جميلة تطل على البحر المتوسط.
شعره في هذه الفترة
ودار شعر شوقي في هذه الفترة التي سبقت نفيه حول المديح؛ حيث غمر الخديوي عباس حلمي بمدائحه والدفاع عنه، وهجاء أعدائه، ولم يترك مناسبة إلا قدَّم فيها مدحه وتهنئته له، منذ أن جلس على عرش مصر حتى خُلع من الحكم، ويمتلئ الديوان بقصائد كثيرة من هذا الغرض.
ووقف شوقي مع الخديوي عباس حلمي في صراعه مع الإنجليز ومع من يوالونهم، لا نقمة على المحتلين فحسب، بل رعاية ودفاعًا عن ولي نعمته كذلك، فهاجم رياض باشا رئيس النُظّار حين ألقى خطابًا أثنى فيه على الإنجليز وأشاد بفضلهم على مصر، وقد هجاه شوقي بقصيدة عنيفة جاء فيها:
غمرت القوم إطراءً وحمـدًاوهم غمروك بالنعم الجسـام
خطبت فكنت خطبًا لا خطيبًاأضيف إلى مصائبنا العظـام
لهجت بالاحتلال ومـا أتـاهوجرحك منه لو أحسست دام
وبلغ من تشيعه للقصر وارتباطه بالخديوي أنه ذمَّ أحمد عرابي وهجاه بقصيدة موجعة، ولم يرث صديقه مصطفى كامل إلا بعد فترة، وكانت قد انقطعت علاقته بالخديوي بعد أن رفع الأخير يده عن مساندة الحركة الوطنية بعد سياسة الوفاق بين الإنجليز والقصر الملكي؛ ولذلك تأخر رثاء شوقي بعد أن استوثق من عدم إغضاب الخديوي، وجاء رثاؤه لمصطفى كامل شديد اللوعة صادق الأحزان، قوي الرنين، بديع السبك والنظم، وإن خلت قصيدته من الحديث عن زعامة مصطفى كامل وجهاده ضد المستعمر، ومطلع القصيدة:
المشرقـان علـيـك ينتحـبـانقاصيهمـا فـي مأتـم والــدان
يا خادم الإسـلام أجـر مجاهـدفي الله من خلد ومـن رضـوان
لمّا نُعيت إلى الحجاز مشى الأسىفـي الزائريـن وروّع الحرمـان
وارتبط شوقي بدولة الخلافة العثمانية ارتباطًا وثيقًا، وكانت مصر تابعة لها، فأكثر من مدح سلطانها عبد الحميد الثاني؛ داعيًا المسلمين إلى الالتفات حولها؛ لأنها الرابطة التي تربطهم وتشد من أزرهم، فيقول:
أما الخلافة فهي حائط بيتكمحتى يبين الحشر عن أهواله
لا تسمعوا للمرجفين وجهلهمفمصيبة الإسلام من جُهّالـه
ولما انتصرت الدولة العثمانية في حربها مع اليونان سنة (1315هـ = 1887م) كتب مطولة عظيمة بعنوان "صدى الحرب"، أشاد فيها بانتصارات السلطان العثماني، واستهلها بقوله:
بسيفك يعلو والحق أغلـبوينصر دين الله أيان تضرب
وهي مطولة تشبه الملاحم، وقد قسمها إلى أجزاء كأنها الأناشيد في ملحمة، فجزء تحت عنوان "أبوة أمير المؤمنين"، وآخر عن "الجلوس الأسعد"، وثالث بعنوان "حلم عظيم وبطش أعظم". ويبكي سقوط عبد الحميد الثاني في انقلاب قام به جماعة الاتحاد والترقي، فينظم رائعة من روائعه العثمانية التي بعنوان "الانقلاب العثماني وسقوط السلطان عبد الحميد"، وقد استهلها بقوله:
سل يلدزا ذات القصورهل جاءها نبأ البـدور
لبكتك بالدمع الغزيرلو تستطيع إجابـة
ولم تكن صلة شوقي بالترك صلة رحم ولا ممالأة لأميره فحسب، وإنما كانت صلة في الله، فقد كان السلطان العثماني خليفة المسلمين، ووجوده يكفل وحدة البلاد الإسلامية ويلم شتاتها، ولم يكن هذا إيمان شوقي وحده، بل كان إيمان كثير من الزعماء المصريين.
وفي هذه الفترة نظم إسلامياته الرائعة، وتعد قصائده في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) من أبدع شعره قوة في النظم، وصدقًا في العاطفة، وجمالاً في التصوير، وتجديدًا في الموضوع، ومن أشهر قصائده "نهج البردة" التي عارض فيها البوصيري في بردته، وحسبك أن يعجب بها شيخ الجامع الأزهر آنذاك محدث العصر الشيخ "سليم البشري" فينهض لشرحها وبيانها. يقول في مطلع القصيدة:
ريم على القاع بين البان والعلـمأحل سفك دمي في الأشهر الحرم
ومن أبياتها في الرد على مزاعم المستشرقين الذين يدعون أن الإسلام انتشر بحد السيف:
قالوا غزوت ورسل الله ما بعثوالقتل نفس ولا جاءوا لسفـك دم
جهل وتضليل أحلام وسفسطـةفتحت بالسيف بعد الفتح بالقلـم
ويلحق بنهج البردة قصائد أخرى، مثل: الهمزية النبوية، وهي معارضة أيضًا للبوصيري، وقصيدة ذكرى المولد التي مطلعها:
سلوا قلبي غداة سلا وتابالعل على الجمال له عتابًا
كما اتجه شوقي إلى الحكاية على لسان الحيوان، وبدأ في نظم هذا الجنس الأدبي منذ أن كان طالبًا في فرنسا؛ ليتخذ منه وسيلة فنية يبث من خلالها نوازعه الأخلاقية والوطنية والاجتماعية، ويوقظ الإحساس بين مواطنيه بمآسي الاستعمار ومكائده.
وقد صاغ شوقي هذه الحكايات بأسلوب سهل جذاب، وبلغ عدد تلك الحكايات 56 حكاية، نُشرت أول واحدة منها في جريدة "الأهرام" سنة (1310هـ = 1892م)، وكانت بعنوان "الهندي والدجاج"، وفيها يرمز بالهندي لقوات الاحتلال وبالدجاج لمصر.
النفي إلى إسبانيا
وفي الفترة التي قضاها شوقي في إسبانيا تعلم لغتها، وأنفق وقته في قراءة كتب التاريخ، خاصة تاريخ الأندلس، وعكف على قراءة عيون الأدب العربي قراءة متأنية، وزار آثار المسلمين وحضارتهم في إشبيلية وقرطبة وغرناطة.
وأثمرت هذه القراءات أن نظم شوقي أرجوزته "دول العرب وعظماء الإسلام"، وهي تضم 1400 بيت موزعة على (24) قصيدة، تحكي تاريخ المسلمين منذ عهد النبوة والخلافة الراشدة، على أنها رغم ضخامتها أقرب إلى الشعر التعليمي، وقد نُشرت بعد وفاته.
وفي المنفى اشتد به الحنين إلى الوطن وطال به الاشتياق وملك عليه جوارحه وأنفاسه. ولم يجد من سلوى سوى شعره يبثه لواعج نفسه وخطرات قلبه، وظفر الشعر العربي بقصائد تعد من روائع الشعر صدقًا في العاطفة وجمالاً في التصوير، لعل أشهرها قصيدته التي بعنوان "الرحلة إلى الأندلس"، وهي معارضة لقصيدة البحتري التي يصف فيها إيوان كسرى، ومطلعها:
صنت نفسي عما يدنس نفسيوترفعت عن جدا كل جبـس
وقد بلغت قصيدة شوقي (110) أبيات تحدّث فيها عن مصر ومعالمها، وبثَّ حنينه وشوقه إلى رؤيتها، كما تناول الأندلس وآثارها الخالدة وزوال دول المسلمين بها، ومن أبيات القصيدة التي تعبر عن ذروة حنينه إلى مصر قوله:
أحرام على بلابلـه الـدوححلال للطير من كـل جنـس
وطني لو شُغلت بالخلد عنـهنازعتني إليه في الخلد نفسي
شهد الله لم يغب عن جفونيشخصه ساعة ولم يخل حسي
العودة إلى الوطن
أحمد شوقي و سعد زغلول
عاد شوقي إلى الوطن في سنة (1339هـ = 1920م)، واستقبله الشعب استقبالاً رائعًا واحتشد الآلاف لتحيته، وكان على رأس مستقبليه الشاعر الكبير "حافظ إبراهيم"، وجاءت عودته بعد أن قويت الحركة الوطنية واشتد عودها بعد ثورة 1919م، وتخضبت أرض الوطن بدماء الشهداء، فمال شوقي إلى جانب الشعب، وتغنَّى في شعره بعواطف قومه وعبّر عن آمالهم في التحرر والاستقلال والنظام النيابي والتعليم، ولم يترك مناسبة وطنية إلا سجّل فيها مشاعر الوطن وما يجيش في صدور أبنائه من آمال.
لقد انقطعت علاقته بالقصر واسترد الطائر المغرد حريته، وخرج من القفص الذهبي، وأصبح شاعر الشعب المصري وترجمانه الأمين، فحين يرى زعماء الأحزاب وصحفها يتناحرون فيما بينهم، والمحتل الإنجليزي لا يزال جاثم على صدر الوطن، يصيح فيهم قائلاً:
إلام الخلـف بينكـم إلامـا؟وهذي الضجة الكبرى علاما؟
وفيم يكيـد بعضكـم لبعـضوتبدون العداوة والخصامـا؟
وأين الفوز؟ لا مصر استقرتعلى حال ولا السودان دامـا
ورأى في التاريخ الفرعوني وأمجاده ما يثير أبناء الشعب ويدفعهم إلى الأمام والتحرر، فنظم قصائد عن النيل والأهرام وأبي الهول. ولما اكتشفت مقبرة توت عنخ أمون وقف العالم مندهشًا أمام آثارها المبهرة، ورأى شوقي في ذلك فرصة للتغني بأمجاد مصر؛ حتى يُحرِّك في النفوس الأمل ويدفعها إلى الرقي والطموح، فنظم قصيدة رائعة مطلعها:
قفي يا أخت يوشع خبريناأحاديث القرون الغابرينـا
وقصي من مصارعهم عليناومن دولاتهم مـا تعلمينـا
وامتد شعر شوقي بأجنحته ليعبر عن آمال العرب وقضاياهم ومعاركهم ضد المستعمر، فنظم في "نكبة دمشق" وفي "نكبة بيروت" وفي ذكرى استقلال سوريا وذكرى شهدائها، ومن أبدع شعره قصيدته في "نكبة دمشق" التي سجّل فيها أحداث الثورة التي اشتعلت في دمشق ضد الاحتلال الفرنسي، ومنها:
بني سوريّة اطرحوا الأمانيوألقوا عنكم الأحلام ألقـوا
وقفتم بين مـوت أو حيـاةفإن رمتم نعيم الدهر فاشقوا
وللأوطان في دم كل حـرٍّيد سلفت وديـن مستحـقُّ
وللحريـة الحمـراء بـاببكـل يـد مضرجـة يُـدَقُّ
ولم تشغله قضايا وطنه عن متابعة أخبار دولة الخلافة العثمانية، فقد كان لها محبًا عن شعور صادق وإيمان جازم بأهميتها في حفظ رابطة العالم الإسلامي، وتقوية الأواصر بين شعوبه، حتى إذا أعلن "مصطفى كمال أتاتورك" إلغاء الخلافة سنة 1924 وقع الخبر عليه كالصاعقة، ورثاها رثاءً صادقًا في قصيدة مبكية مطلعها:
عادت أغاني العرس رجع نواحونعيت بيـن معالـم الأفـراح
كُفنت في ليل الزفـاف بثوبـهودفنت عنـد تبلـج الإصبـاح
ضجت عليـك مـآذن ومنابـروبكت عليـك ممالـك ونـواح
الهند والهـة ومصـر حزينـةتبكي عليـك بمدمـع سحَّـاح
إمارة الشعر
أصبح شوقي بعد عودته شاعر الأمة المُعبر عن قضاياها، لا تفوته مناسبة وطنية إلا شارك فيها بشعره، وقابلته الأمة بكل تقدير وأنزلته منزلة عالية، وبايعه شعراؤها بإمارة الشعر سنة (1346هـ = 1927م) في حفل أقيم بدار الأوبرا بمناسبة اختياره عضوًا في مجلس الشيوخ، وقيامه بإعادة طبع ديوانه "الشوقيات". وقد حضر الحفل وفود من أدباء العالم العربي وشعرائه، وأعلن حافظ إبراهيم باسمهم مبايعته بإمارة الشعر قائلاً:
بلابل وادي النيل بالشرق اسجعيبشعر أميـر الدولتيـن ورجِّعـي
أعيدي على الأسماع ما غردت بهبراعة شوقي في ابتداء ومقطـع
أمير القوافي قـد أتيـت مبايعًـاوهذي وفود الشرق قد بايعت معي
مسرحيات شوقي
بلغ أحمد شوقي قمة مجده، وأحس أنه قد حقق كل أمانيه بعد أن بايعه شعراء العرب بإمارة الشعر، فبدأ يتجه إلى فن المسرحية الشعرية، وكان قد بدأ في ذلك أثناء إقامته في فرنسا لكنه عدل عنه إلى فن القصيد.
وأخذ ينشر على الناس مسرحياته الشعرية الرائعة، استمد اثنتين منها من التاريخ المصري القديم، وهما: "مصرع كليوباترا" و"قمبيز"، والأولى منهما هي أولى مسرحياته ظهورًا، وواحدة من التاريخ الإسلامي هي "مجنون ليلى"، ومثلها من التاريخ العربي القديم هي "عنترة"، وأخرى من التاريخ المصري العثماني وهي "علي بك الكبير"، وله مسرحيتان هزليتان، هما: "الست هدي"، و"البخيلة".
ولأمر غير معلوم كتب مسرحية "أميرة الأندلس" نثرًا، مع أن بطلها أو أحد أبطالها البارزين هو الشاعر المعتمد بن عباد.
وقد غلب الطابع الغنائي والأخلاقي على مسرحياته، وضعف الطابع الدرامي، وكانت الحركة المسرحية بطيئة لشدة طول أجزاء كثيرة من الحوار، غير أن هذه المآخذ لا تُفقِد مسرحيات شوقي قيمتها الشعرية الغنائية، ولا تنفي عنها كونها ركيزة الشعر الدرامي في الأدب العربي الحديث.
مكانة شوقي
منح الله شوقي موهبة شعرية فذة، وبديهة سيالة، لا يجد عناء في نظم القصيدة، فدائمًا كانت المعاني تنثال عليه انثيالاً وكأنها المطر الهطول، يغمغم بالشعر ماشيًا أو جالسًا بين أصحابه، حاضرًا بينهم بشخصه غائبًا عنهم بفكره؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية؛ إذ بلغ نتاجه الشعري ما يتجاوز ثلاثة وعشرين ألف بيت وخمسمائة بيت، ولعل هذا الرقم لم يبلغه شاعر عربي قديم أو حديث.
وكان شوقي مثقفًا ثقافة متنوعة الجوانب، فقد انكب على قراءة الشعر العربي في عصور ازدهاره، وصحب كبار شعرائه، وأدام النظر في مطالعة كتب اللغة والأدب، وكان ذا حافظة لاقطة لا تجد عناء في استظهار ما تقرأ؛ حتى قيل بأنه كان يحفظ أبوابًا كاملة من بعض المعاجم، وكان مغرمًا بالتاريخ يشهد على ذلك قصائده التي لا تخلو من إشارات تاريخية لا يعرفها إلا المتعمقون في دراسة التاريخ، وتدل رائعته الكبرى "كبار الحوادث في وادي النيل" التي نظمها وهو في شرخ الشباب على بصره بالتاريخ قديمه وحديثه.
وكان ذا حس لغوي مرهف وفطرة موسيقية بارعة في اختيار الألفاظ التي تتألف مع بعضها لتحدث النغم الذي يثير الطرب ويجذب الأسماع، فجاء شعره لحنًا صافيًا ونغمًا رائعًا لم تعرفه العربية إلا لقلة قليلة من فحول الشعراء.
وإلى جانب ثقافته العربية كان متقنًا للفرنسية التي مكنته من الاطلاع على آدابها والنهل من فنونها والتأثر بشعرائها، وهذا ما ظهر في بعض نتاجه وما استحدثه في العربية من كتابة المسرحية الشعرية لأول مرة.
وقد نظم الشعر العربي في كل أغراضه من مديح ورثاء وغزل، ووصف وحكمة، وله في ذلك أوابد رائعة ترفعه إلى قمة الشعر العربي، وله آثار نثرية كتبها في مطلع حياته الأدبية، مثل: "عذراء الهند"، ورواية "لادياس"، و"ورقة الآس"، و"أسواق الذهب"، وقد حاكى فيه كتاب "أطواق الذهب" للزمخشري، وما يشيع فيه من وعظ في عبارات مسجوعة.
وقد جمع شوقي شعره الغنائي في ديوان سماه "الشوقيات"، ثم قام الدكتور محمد صبري السربوني بجمع الأشعار التي لم يضمها ديوانه، وصنع منها ديوانًا جديدًا في مجلدين أطلق عليه "الشوقيات المجهولة".
وفاته
ظل شوقي محل تقدير الناس وموضع إعجابهم ولسان حالهم، حتى إن الموت فاجأه بعد فراغه من نظم قصيدة طويلة يحيي بها مشروع القرش الذي نهض به شباب مصر، وفاضت روحه الكريمة في (13 من جمادى الآخرة = 14 من أكتوبر 1932م).
منقول
أحمد شوقي.. أمير الشعراء
كان الشعر العربي على موعد مع القدر، ينتظر من يأخذ بيده، ويبعث فيه روحًا جديدة تبث فيه الحركة والحياة، وتعيد له الدماء في الأوصال، فتتورد وجنتاه نضرة وجمالاً بعد أن ظل قرونًا عديدة واهن البدن، خامل الحركة، كليل البصر.
وشاء الله أن يكون "البارودي" هو الذي يعيد الروح إلى الشعر العربي، ويلبسه أثوابًا قشيبة، زاهية اللون، بديعة الشكل والصورة، ويوصله بماضيه التليد، بفضل موهبته الفذة وثقافته الواسعة وتجاربه الغنية.
ولم يشأ الله تعالى أن يكون البارودي هو وحده فارس الحلبة ونجم عصره- وإن كان له فضل السبق والريادة- فلقيت روحه الشعرية الوثابة نفوسًا تعلقت بها، فملأت الدنيا شعرًا بكوكبة من الشعراء من أمثال: إسماعيل صبري، وحافظ إبراهيم، وأحمد محرم، وأحمد نسيم، وأحمد الكاشف، وعبد الحليم المصري. وكان أحمد شوقي هو نجم هذه الكوكبة وأميرها بلا منازع عن رضى واختيار، فقد ملأ الدنيا بشعره، وشغل الناس، وأشجى القلوب.
المولد والنشأة
ولد أحمد شوقي بحي الحنفي بالقاهرة في (20 من رجب 1287 هـ = 16 من أكتوبر 1870م) لأب شركسي وأم من أصول يونانية، وكانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، وعلى جانب من الغنى والثراء، فتكفلت بتربية حفيدها ونشأ معها في القصر، ولما بلغ الرابعة من عمره التحق بكُتّاب الشيخ صالح، فحفظ قدرًا من القرآن وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بمدرسة المبتديان الابتدائية، وأظهر فيها نبوغًا واضحًا كوفئ عليه بإعفائه من مصروفات المدرسة، وانكب على دواوين فحول الشعراء حفظًا واستظهارًا، فبدأ الشعر يجري على لسانه.
وبعد أن أنهى تعليمه بالمدرسة وهو في الخامسة عشرة من عمره التحق بمدرسة الحقوق سنة (1303هـ = 1885م)، وانتسب إلى قسم الترجمة الذي قد أنشئ بها حديثًا، وفي هذه الفترة بدأت موهبته الشعرية تلفت نظر أستاذه الشيخ "محمد البسيوني"، ورأى فيه مشروع شاعر كبير، فشجّعه، وكان الشيخ بسيوني يُدّرس البلاغة في مدرسة الحقوق ويُنظِّم الشعر في مدح الخديوي توفيق في المناسبات، وبلغ من إعجابه بموهبة تلميذه أنه كان يعرض عليه قصائده قبل أن ينشرها في جريدة الوقائع المصرية، وأنه أثنى عليه في حضرة الخديوي، وأفهمه أنه جدير بالرعاية، وهو ما جعل الخديوي يدعوه لمقابلته.
السفر إلى فرنسا
وبعد عامين من الدراسة تخرّج من المدرسة، والتحق بقصر الخديوي توفيق، الذي ما لبث أن أرسله على نفقته الخاصة إلى فرنسا، فالتحق بجامعة "مونبلييه" لمدة عامين لدراسة القانون، ثم انتقل إلى جامعة باريس لاستكمال دراسته حتى حصل على إجازة الحقوق سنة (1311هـ = 1893م)، ثم مكث أربعة أشهر قبل أن يغادر فرنسا في دراسة الأدب الفرنسي دراسة جيدة ومطالعة إنتاج كبار الكتاب والشعر.
العودة إلى مصر
عاد شوقي إلى مصر فوجد الخديوي عباس حلمي يجلس على عرش مصر، فعيّنه بقسم الترجمة في القصر، ثم ما لم لبث أن توثَّقت علاقته بالخديوي الذي رأى في شعره عونًا له في صراعه مع الإنجليز، فقرَّبه إليه بعد أن ارتفعت منزلته عنده، وخصَّه الشاعر العظيم بمدائحه في غدوه ورواحه، وظل شوقي يعمل في القصر حتى خلع الإنجليز عباس الثاني عن عرش مصر، وأعلنوا الحماية عليها سنة (1941م)، وولّوا حسين كامل سلطنة مصر، وطلبوا من الشاعر مغادرة البلاد، فاختار النفي إلى برشلونة في إسبانيا، وأقام مع أسرته في دار جميلة تطل على البحر المتوسط.
شعره في هذه الفترة
ودار شعر شوقي في هذه الفترة التي سبقت نفيه حول المديح؛ حيث غمر الخديوي عباس حلمي بمدائحه والدفاع عنه، وهجاء أعدائه، ولم يترك مناسبة إلا قدَّم فيها مدحه وتهنئته له، منذ أن جلس على عرش مصر حتى خُلع من الحكم، ويمتلئ الديوان بقصائد كثيرة من هذا الغرض.
ووقف شوقي مع الخديوي عباس حلمي في صراعه مع الإنجليز ومع من يوالونهم، لا نقمة على المحتلين فحسب، بل رعاية ودفاعًا عن ولي نعمته كذلك، فهاجم رياض باشا رئيس النُظّار حين ألقى خطابًا أثنى فيه على الإنجليز وأشاد بفضلهم على مصر، وقد هجاه شوقي بقصيدة عنيفة جاء فيها:
غمرت القوم إطراءً وحمـدًاوهم غمروك بالنعم الجسـام
خطبت فكنت خطبًا لا خطيبًاأضيف إلى مصائبنا العظـام
لهجت بالاحتلال ومـا أتـاهوجرحك منه لو أحسست دام
وبلغ من تشيعه للقصر وارتباطه بالخديوي أنه ذمَّ أحمد عرابي وهجاه بقصيدة موجعة، ولم يرث صديقه مصطفى كامل إلا بعد فترة، وكانت قد انقطعت علاقته بالخديوي بعد أن رفع الأخير يده عن مساندة الحركة الوطنية بعد سياسة الوفاق بين الإنجليز والقصر الملكي؛ ولذلك تأخر رثاء شوقي بعد أن استوثق من عدم إغضاب الخديوي، وجاء رثاؤه لمصطفى كامل شديد اللوعة صادق الأحزان، قوي الرنين، بديع السبك والنظم، وإن خلت قصيدته من الحديث عن زعامة مصطفى كامل وجهاده ضد المستعمر، ومطلع القصيدة:
المشرقـان علـيـك ينتحـبـانقاصيهمـا فـي مأتـم والــدان
يا خادم الإسـلام أجـر مجاهـدفي الله من خلد ومـن رضـوان
لمّا نُعيت إلى الحجاز مشى الأسىفـي الزائريـن وروّع الحرمـان
وارتبط شوقي بدولة الخلافة العثمانية ارتباطًا وثيقًا، وكانت مصر تابعة لها، فأكثر من مدح سلطانها عبد الحميد الثاني؛ داعيًا المسلمين إلى الالتفات حولها؛ لأنها الرابطة التي تربطهم وتشد من أزرهم، فيقول:
أما الخلافة فهي حائط بيتكمحتى يبين الحشر عن أهواله
لا تسمعوا للمرجفين وجهلهمفمصيبة الإسلام من جُهّالـه
ولما انتصرت الدولة العثمانية في حربها مع اليونان سنة (1315هـ = 1887م) كتب مطولة عظيمة بعنوان "صدى الحرب"، أشاد فيها بانتصارات السلطان العثماني، واستهلها بقوله:
بسيفك يعلو والحق أغلـبوينصر دين الله أيان تضرب
وهي مطولة تشبه الملاحم، وقد قسمها إلى أجزاء كأنها الأناشيد في ملحمة، فجزء تحت عنوان "أبوة أمير المؤمنين"، وآخر عن "الجلوس الأسعد"، وثالث بعنوان "حلم عظيم وبطش أعظم". ويبكي سقوط عبد الحميد الثاني في انقلاب قام به جماعة الاتحاد والترقي، فينظم رائعة من روائعه العثمانية التي بعنوان "الانقلاب العثماني وسقوط السلطان عبد الحميد"، وقد استهلها بقوله:
سل يلدزا ذات القصورهل جاءها نبأ البـدور
لبكتك بالدمع الغزيرلو تستطيع إجابـة
ولم تكن صلة شوقي بالترك صلة رحم ولا ممالأة لأميره فحسب، وإنما كانت صلة في الله، فقد كان السلطان العثماني خليفة المسلمين، ووجوده يكفل وحدة البلاد الإسلامية ويلم شتاتها، ولم يكن هذا إيمان شوقي وحده، بل كان إيمان كثير من الزعماء المصريين.
وفي هذه الفترة نظم إسلامياته الرائعة، وتعد قصائده في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) من أبدع شعره قوة في النظم، وصدقًا في العاطفة، وجمالاً في التصوير، وتجديدًا في الموضوع، ومن أشهر قصائده "نهج البردة" التي عارض فيها البوصيري في بردته، وحسبك أن يعجب بها شيخ الجامع الأزهر آنذاك محدث العصر الشيخ "سليم البشري" فينهض لشرحها وبيانها. يقول في مطلع القصيدة:
ريم على القاع بين البان والعلـمأحل سفك دمي في الأشهر الحرم
ومن أبياتها في الرد على مزاعم المستشرقين الذين يدعون أن الإسلام انتشر بحد السيف:
قالوا غزوت ورسل الله ما بعثوالقتل نفس ولا جاءوا لسفـك دم
جهل وتضليل أحلام وسفسطـةفتحت بالسيف بعد الفتح بالقلـم
ويلحق بنهج البردة قصائد أخرى، مثل: الهمزية النبوية، وهي معارضة أيضًا للبوصيري، وقصيدة ذكرى المولد التي مطلعها:
سلوا قلبي غداة سلا وتابالعل على الجمال له عتابًا
كما اتجه شوقي إلى الحكاية على لسان الحيوان، وبدأ في نظم هذا الجنس الأدبي منذ أن كان طالبًا في فرنسا؛ ليتخذ منه وسيلة فنية يبث من خلالها نوازعه الأخلاقية والوطنية والاجتماعية، ويوقظ الإحساس بين مواطنيه بمآسي الاستعمار ومكائده.
وقد صاغ شوقي هذه الحكايات بأسلوب سهل جذاب، وبلغ عدد تلك الحكايات 56 حكاية، نُشرت أول واحدة منها في جريدة "الأهرام" سنة (1310هـ = 1892م)، وكانت بعنوان "الهندي والدجاج"، وفيها يرمز بالهندي لقوات الاحتلال وبالدجاج لمصر.
النفي إلى إسبانيا
وفي الفترة التي قضاها شوقي في إسبانيا تعلم لغتها، وأنفق وقته في قراءة كتب التاريخ، خاصة تاريخ الأندلس، وعكف على قراءة عيون الأدب العربي قراءة متأنية، وزار آثار المسلمين وحضارتهم في إشبيلية وقرطبة وغرناطة.
وأثمرت هذه القراءات أن نظم شوقي أرجوزته "دول العرب وعظماء الإسلام"، وهي تضم 1400 بيت موزعة على (24) قصيدة، تحكي تاريخ المسلمين منذ عهد النبوة والخلافة الراشدة، على أنها رغم ضخامتها أقرب إلى الشعر التعليمي، وقد نُشرت بعد وفاته.
وفي المنفى اشتد به الحنين إلى الوطن وطال به الاشتياق وملك عليه جوارحه وأنفاسه. ولم يجد من سلوى سوى شعره يبثه لواعج نفسه وخطرات قلبه، وظفر الشعر العربي بقصائد تعد من روائع الشعر صدقًا في العاطفة وجمالاً في التصوير، لعل أشهرها قصيدته التي بعنوان "الرحلة إلى الأندلس"، وهي معارضة لقصيدة البحتري التي يصف فيها إيوان كسرى، ومطلعها:
صنت نفسي عما يدنس نفسيوترفعت عن جدا كل جبـس
وقد بلغت قصيدة شوقي (110) أبيات تحدّث فيها عن مصر ومعالمها، وبثَّ حنينه وشوقه إلى رؤيتها، كما تناول الأندلس وآثارها الخالدة وزوال دول المسلمين بها، ومن أبيات القصيدة التي تعبر عن ذروة حنينه إلى مصر قوله:
أحرام على بلابلـه الـدوححلال للطير من كـل جنـس
وطني لو شُغلت بالخلد عنـهنازعتني إليه في الخلد نفسي
شهد الله لم يغب عن جفونيشخصه ساعة ولم يخل حسي
العودة إلى الوطن
أحمد شوقي و سعد زغلول
عاد شوقي إلى الوطن في سنة (1339هـ = 1920م)، واستقبله الشعب استقبالاً رائعًا واحتشد الآلاف لتحيته، وكان على رأس مستقبليه الشاعر الكبير "حافظ إبراهيم"، وجاءت عودته بعد أن قويت الحركة الوطنية واشتد عودها بعد ثورة 1919م، وتخضبت أرض الوطن بدماء الشهداء، فمال شوقي إلى جانب الشعب، وتغنَّى في شعره بعواطف قومه وعبّر عن آمالهم في التحرر والاستقلال والنظام النيابي والتعليم، ولم يترك مناسبة وطنية إلا سجّل فيها مشاعر الوطن وما يجيش في صدور أبنائه من آمال.
لقد انقطعت علاقته بالقصر واسترد الطائر المغرد حريته، وخرج من القفص الذهبي، وأصبح شاعر الشعب المصري وترجمانه الأمين، فحين يرى زعماء الأحزاب وصحفها يتناحرون فيما بينهم، والمحتل الإنجليزي لا يزال جاثم على صدر الوطن، يصيح فيهم قائلاً:
إلام الخلـف بينكـم إلامـا؟وهذي الضجة الكبرى علاما؟
وفيم يكيـد بعضكـم لبعـضوتبدون العداوة والخصامـا؟
وأين الفوز؟ لا مصر استقرتعلى حال ولا السودان دامـا
ورأى في التاريخ الفرعوني وأمجاده ما يثير أبناء الشعب ويدفعهم إلى الأمام والتحرر، فنظم قصائد عن النيل والأهرام وأبي الهول. ولما اكتشفت مقبرة توت عنخ أمون وقف العالم مندهشًا أمام آثارها المبهرة، ورأى شوقي في ذلك فرصة للتغني بأمجاد مصر؛ حتى يُحرِّك في النفوس الأمل ويدفعها إلى الرقي والطموح، فنظم قصيدة رائعة مطلعها:
قفي يا أخت يوشع خبريناأحاديث القرون الغابرينـا
وقصي من مصارعهم عليناومن دولاتهم مـا تعلمينـا
وامتد شعر شوقي بأجنحته ليعبر عن آمال العرب وقضاياهم ومعاركهم ضد المستعمر، فنظم في "نكبة دمشق" وفي "نكبة بيروت" وفي ذكرى استقلال سوريا وذكرى شهدائها، ومن أبدع شعره قصيدته في "نكبة دمشق" التي سجّل فيها أحداث الثورة التي اشتعلت في دمشق ضد الاحتلال الفرنسي، ومنها:
بني سوريّة اطرحوا الأمانيوألقوا عنكم الأحلام ألقـوا
وقفتم بين مـوت أو حيـاةفإن رمتم نعيم الدهر فاشقوا
وللأوطان في دم كل حـرٍّيد سلفت وديـن مستحـقُّ
وللحريـة الحمـراء بـاببكـل يـد مضرجـة يُـدَقُّ
ولم تشغله قضايا وطنه عن متابعة أخبار دولة الخلافة العثمانية، فقد كان لها محبًا عن شعور صادق وإيمان جازم بأهميتها في حفظ رابطة العالم الإسلامي، وتقوية الأواصر بين شعوبه، حتى إذا أعلن "مصطفى كمال أتاتورك" إلغاء الخلافة سنة 1924 وقع الخبر عليه كالصاعقة، ورثاها رثاءً صادقًا في قصيدة مبكية مطلعها:
عادت أغاني العرس رجع نواحونعيت بيـن معالـم الأفـراح
كُفنت في ليل الزفـاف بثوبـهودفنت عنـد تبلـج الإصبـاح
ضجت عليـك مـآذن ومنابـروبكت عليـك ممالـك ونـواح
الهند والهـة ومصـر حزينـةتبكي عليـك بمدمـع سحَّـاح
إمارة الشعر
أصبح شوقي بعد عودته شاعر الأمة المُعبر عن قضاياها، لا تفوته مناسبة وطنية إلا شارك فيها بشعره، وقابلته الأمة بكل تقدير وأنزلته منزلة عالية، وبايعه شعراؤها بإمارة الشعر سنة (1346هـ = 1927م) في حفل أقيم بدار الأوبرا بمناسبة اختياره عضوًا في مجلس الشيوخ، وقيامه بإعادة طبع ديوانه "الشوقيات". وقد حضر الحفل وفود من أدباء العالم العربي وشعرائه، وأعلن حافظ إبراهيم باسمهم مبايعته بإمارة الشعر قائلاً:
بلابل وادي النيل بالشرق اسجعيبشعر أميـر الدولتيـن ورجِّعـي
أعيدي على الأسماع ما غردت بهبراعة شوقي في ابتداء ومقطـع
أمير القوافي قـد أتيـت مبايعًـاوهذي وفود الشرق قد بايعت معي
مسرحيات شوقي
بلغ أحمد شوقي قمة مجده، وأحس أنه قد حقق كل أمانيه بعد أن بايعه شعراء العرب بإمارة الشعر، فبدأ يتجه إلى فن المسرحية الشعرية، وكان قد بدأ في ذلك أثناء إقامته في فرنسا لكنه عدل عنه إلى فن القصيد.
وأخذ ينشر على الناس مسرحياته الشعرية الرائعة، استمد اثنتين منها من التاريخ المصري القديم، وهما: "مصرع كليوباترا" و"قمبيز"، والأولى منهما هي أولى مسرحياته ظهورًا، وواحدة من التاريخ الإسلامي هي "مجنون ليلى"، ومثلها من التاريخ العربي القديم هي "عنترة"، وأخرى من التاريخ المصري العثماني وهي "علي بك الكبير"، وله مسرحيتان هزليتان، هما: "الست هدي"، و"البخيلة".
ولأمر غير معلوم كتب مسرحية "أميرة الأندلس" نثرًا، مع أن بطلها أو أحد أبطالها البارزين هو الشاعر المعتمد بن عباد.
وقد غلب الطابع الغنائي والأخلاقي على مسرحياته، وضعف الطابع الدرامي، وكانت الحركة المسرحية بطيئة لشدة طول أجزاء كثيرة من الحوار، غير أن هذه المآخذ لا تُفقِد مسرحيات شوقي قيمتها الشعرية الغنائية، ولا تنفي عنها كونها ركيزة الشعر الدرامي في الأدب العربي الحديث.
مكانة شوقي
منح الله شوقي موهبة شعرية فذة، وبديهة سيالة، لا يجد عناء في نظم القصيدة، فدائمًا كانت المعاني تنثال عليه انثيالاً وكأنها المطر الهطول، يغمغم بالشعر ماشيًا أو جالسًا بين أصحابه، حاضرًا بينهم بشخصه غائبًا عنهم بفكره؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية؛ إذ بلغ نتاجه الشعري ما يتجاوز ثلاثة وعشرين ألف بيت وخمسمائة بيت، ولعل هذا الرقم لم يبلغه شاعر عربي قديم أو حديث.
وكان شوقي مثقفًا ثقافة متنوعة الجوانب، فقد انكب على قراءة الشعر العربي في عصور ازدهاره، وصحب كبار شعرائه، وأدام النظر في مطالعة كتب اللغة والأدب، وكان ذا حافظة لاقطة لا تجد عناء في استظهار ما تقرأ؛ حتى قيل بأنه كان يحفظ أبوابًا كاملة من بعض المعاجم، وكان مغرمًا بالتاريخ يشهد على ذلك قصائده التي لا تخلو من إشارات تاريخية لا يعرفها إلا المتعمقون في دراسة التاريخ، وتدل رائعته الكبرى "كبار الحوادث في وادي النيل" التي نظمها وهو في شرخ الشباب على بصره بالتاريخ قديمه وحديثه.
وكان ذا حس لغوي مرهف وفطرة موسيقية بارعة في اختيار الألفاظ التي تتألف مع بعضها لتحدث النغم الذي يثير الطرب ويجذب الأسماع، فجاء شعره لحنًا صافيًا ونغمًا رائعًا لم تعرفه العربية إلا لقلة قليلة من فحول الشعراء.
وإلى جانب ثقافته العربية كان متقنًا للفرنسية التي مكنته من الاطلاع على آدابها والنهل من فنونها والتأثر بشعرائها، وهذا ما ظهر في بعض نتاجه وما استحدثه في العربية من كتابة المسرحية الشعرية لأول مرة.
وقد نظم الشعر العربي في كل أغراضه من مديح ورثاء وغزل، ووصف وحكمة، وله في ذلك أوابد رائعة ترفعه إلى قمة الشعر العربي، وله آثار نثرية كتبها في مطلع حياته الأدبية، مثل: "عذراء الهند"، ورواية "لادياس"، و"ورقة الآس"، و"أسواق الذهب"، وقد حاكى فيه كتاب "أطواق الذهب" للزمخشري، وما يشيع فيه من وعظ في عبارات مسجوعة.
وقد جمع شوقي شعره الغنائي في ديوان سماه "الشوقيات"، ثم قام الدكتور محمد صبري السربوني بجمع الأشعار التي لم يضمها ديوانه، وصنع منها ديوانًا جديدًا في مجلدين أطلق عليه "الشوقيات المجهولة".
وفاته
ظل شوقي محل تقدير الناس وموضع إعجابهم ولسان حالهم، حتى إن الموت فاجأه بعد فراغه من نظم قصيدة طويلة يحيي بها مشروع القرش الذي نهض به شباب مصر، وفاضت روحه الكريمة في (13 من جمادى الآخرة = 14 من أكتوبر 1932م).
منقول
عدل سابقا من قبل على مجاهد في الأربعاء يونيو 18, 2008 6:00 pm عدل 1 مرات
على مجاهد- مشرف منتدى الاخبار والسياسة
-
عدد الرسائل : 1184
رقم العضويه : 17
المهنه :
رقمى المفضل : 0
تاريخ التسجيل : 19/01/2008
الاوسمة
:
الاضافات:
رد: اعرف رواد حركة التنوير أدباء وشعراء
مشكور لك اخى ونتمنى الجديد والجديد تحياتى لك على تالقك هذا القلب المفقود
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
القلب المفقود- مرجاوى مبدع
-
عدد الرسائل : 476
العمر : 35
مزاجى :
الهوايه :
المهنه :
رقمى المفضل : 0
تاريخ التسجيل : 02/03/2008
رد: اعرف رواد حركة التنوير أدباء وشعراء
عباس العقاد
في أقصى الصعيد، وفي بلدة تحيطها تلال من الرمال، ولا تنقطع عنها أشعة الشمس اللافحة، في مدينة (أسوان) مدينة الشمس والتاريخ، استقبلت أسرة محمود أفندي إبراهيم مصطفى العقاد مولودًا جديدًا، سُمِّي: عباسًا في يوم الجمعة الثامن والعشرين من يونيو عام 1889م فهرولت نسوة الدار إلى محمود أفندي معاون قلم محفوظات المدينة ينقلن إليه البشرى، ويهنئنه بهذا الحدث السعيد.
كان أجداد العقاد يعملون في صناعة الحرير، فعرفوا بذلك اللقب العقاد؛ الذي يطلق على من يعقد الحرير، ونشأ الطفل الصغير عباس بين أسرة تعرف الله حق
المعرفة، فمنذ أن طلت عيناه على نور الدنيا وجد أبويه يستيقظان قبل الفجر لأداء الصلاة، وكان دائمًا يستمع إلى عبارات الحب للنبي -صلى الله عليه وسلم- بل إن أسماء النبي وآله كانت تتردد في جنبات البيت ليل نهار، ولا عجب في ذلك فأسماء إخوته: محمد وإبراهيم والمختار ومصطفى وأحمد والطاهر.
وفي بيت ريفي قديم عاش عباس العقاد معتزًّا بنفسه، غيورًا على أهله وكرامته، تلقى عباس العقاد مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم في كُتَّاب القرية.. حتى إذا ما بلغ السابعة من عمره ألحقه والده بمدرسة أسوان الابتدائية، وبين جدران هذه المدرسة ظهرت علامات الذكاء والنبوغ على عباس العقاد، وكان مدرس اللغة العربية يعجب به إعجابًا شديدًا، كلما طالع كراسته في الإنشاء.
وفي يوم من الأيام، وبينما عباس في الفرقة الرابعة الابتدائية، إذا بالشيخ محمد عبده الذي كانت له مكانة كبيرة في ذلك الوقت يزور المدرسة، فيطلعه مدرس الإنشاء على موضوع كتبه عباس، فأعجب الشيخ به إعجابًا شديدًا وقال: ما أجدر هذا الصبي أن يكون كاتبًا بعد، فكانت هذه الجملة التي قالها الشيخ محمد عبده حافزًا قويًّا لعباس العقاد في ذلك الوقت المبكر، جعلته يسلك طريق الكتابة دون
سواها.
وفي الشارع الذي كان يقع فيه منزل الأسرة، كان عباس يستمع إلى القصص الخيالية من كبار السن، فكانت هذه القصص سببًا في تفتح مواهبه الأدبية والشعرية إثراء خياله، فأنشد الأناشيد قبل أن يبلغ العاشرة، ونمت مواهبه الأدبية أكثر وأكثر إذ كان والده يصحبه عصر كل يوم إلى جلسات الشيخ أحمد الجداوي الأدبية، وكان عباس أحيانًا يذهب إلى هذه الجلسات بمفرده ليعرض على الشيخ الجداوي ما كتبه من موضوعات الإنشاء، وكان بارعًا في حل المسائل الرياضية.
وكان والده محمود أفندي يقتني بعض المجلات الشهيرة في ذلك الوقت مثل
مجلة الأستاذ لـ(عبد الله النديم) و(أبو نضارة) و(العروة الوثقى) فقرأها الصبي الصغير، وأعجب بها، وخصوصًا مجلة الأستاذ لعبد الله النديم خطيب الثورة العرابية فتأثر به تأثرًا شديدًا، حتى إن عباسًا أخرج صحيفة التلميذ محاكيًا بذلك صحيفة الأستاذ للنديم.
وكانت أسوان مدينة سياحية يأتي إليها السائحون، ويختلطون بأهلها، فأتيحت الفرصة لعباس ليتحدث معهم ويختلط بهم، كما تهيأت له الفرصة لكي يتقن اللغة الإنجليزية حيث كانت تتدرس العلوم باللغة الإنجليزية في المدارس الابتدائية في ذلك الوقت، فقرأ عباس في الأدب الإنجليزي كثيرًا، وأصبحت له حصيلة أدبية كبيرة.
وخلال تلك الفترة المبكرة من حياته، أخذ الصبي عباس العقاد يحلم كثيرًا، ففكر أن يتم تعليمه بالمدرسة الحربية، أو يدرس علم النبات والحيوان، وظل الفتى يتمنى تحقيق تلك الآمال وهذه الأحلام إلى أن تخرج في المدرسة الابتدائية وحصل على شهادتها سنة 1903م ورأى أبوه أن يكتفي بما حصل عليه من العلم وأن يعين في الوظيفة الحكومية (الميري) فلم يجد الفتى بُدًّا من أن يطيع كلام والده.
ومكث في البيت في انتظار الوظيفة تحقيقًا لرغبة والده وأفراد أسرته، وطال
انتظاره، فتطوع بالتدريس في المدرسة الإسلامية الخيرية بأسوان، لكن والد العقاد استطاع بعد فترة أن يوظفه بأربعة جنيهات بالقسم المالي بمدينة قنا سنة 1904م، وفي أثناء عمله بالصعيد كان هو وبعض زملائه الموظفين من أنحاء قنا يعقدون الندوات الأدبية لإلقاء الزجل ومقطوعات الشعر التي ينظمونها، ثم انتقل عباس العقاد في
العام نفسه إلى مدينة الزقازيق، وأخذ يتردد على القاهرة كل أسبوعين لينهل من ندواتها الأدبية ويقتني منها الكتب القيمة.
وفي سنة 1906م استقال العقاد من وظيفته بعد أن ملَّ منها؛ فذهب إلى القاهرة والتحق بمدرسة الفنون والصنائع، ثم تركها وعمل بمصلحة البرق، وكان يسكن في حجرة يستأجرها ببضعة قروش يضع فيها كل ما يملك من كتب قديمة كان يشتريها من حي الأزهر العتيق، وتتعثر أحوال عباس العقاد المادية، ويعجز عن مواجهة أعباء الحياة، حتى إيجار الحجرة التي كان يسكن فيها أصبح يمثل له مشكلة كبيرة، فاضطر إلى الرحيل إلى بلدته أسوان تاركًا كتبه ومتاعه في الحجرة، فمكث هناك مدة
قصيرة، ثم عاد إلى القاهرة، فتمكن من العمل بجريدة الدستور مع المفكر الإسلامي الكبير محمد فريد وجدي سنة 1907م بمرتب قدره ستة جنيهات، واستطاع أن يجري حديثًا صحفيًّا مع الزعيم سعد زغلول، وكان وزيرًا للمعارف في ذلك
الوقت، فأحدث ضجة صحفية كبيرة، وفي عام 1909م تعطلت صحيفة الدستور فاضطر محمد فريد وجدي أن يبيع كتبه ليسدد بها أجور العمال وأصحاب
الديون.
وافترق عباس العقاد عن الكاتب الإسلامي محمد فريد وجدي بعد صحبة استمرت عامين، واضطر عباس العقاد هو الآخر لبيع كتبه ليشتري بثمنها حاجاته وطعامه على أن يشتري غيرها بعدما يجد عملاً وتتحسن الظروف، لكنه مرض فقرر السفر إلى أسوان، وهناك يقضي كل وقته في المطالعة والكتابة إلى أن استعاد صحته، وشفي من مرضه، فعاد إلى القاهرة مرة أخرى وكان ذلك سنة 1911م فاشترك في تحرير جريدة البيان، والتقى فيها بالكثير من الأدباء والشعراء أمثال: طه حسين، وعبد الرحمن شكري، والمازني.. وغيرهم من حملة الأقلام.
ولفتت كتابات العقاد أنظار الكاتب المشهور في ذلك الوقت محمد المويلحي مدير قسم الإدارة بديوان الأوقاف، فاختاره مساعد كاتب بالمجلس الأعلى بقلم السكرتارية، ثم عمل في جريدة المؤيد لصاحبها في ذلك الوقت الصحفي الكبير أحمد حافظ عوض، وقام بتحرير الصفحة الأدبية فيها، ولم يبلغ الخامسة والعشرين من عمره.
وفي أثناء فترة عمله بهذه الجريدة وبالتحديد في عام 1914م قام الخديوي برحلة في الوجه البحري ليجمع الصفوف حوله ليستعيد شعبيته وصحب معه أحمد حافظ عوض ليصوغ كتابًا عن هذه الرحلة يسميه كتاب الرحلة الذهبي، وفوجئ العقاد الذي كان ينوب عن أحمد عوض أثناء غيابه بالجريدة، بمحاولات لإغرائه بالمال ليشترك في تحرير هذا الكتاب الذي يهلل للخديوي ويشيد به، في حين كان العقاد يهاجم الخديوي في كتاباته، فغضب لكرامته، وترك المؤيد إلى غير رجعة مفضلاً الجوع على النفاق.
وكتب العقاد فصولاً نقدية في مجلة عكاظ مع الشاعرين المازني وعبد الرحمن شكري من سنة 1912م إلى سنة 1914م ولكنه خرج من عمله بالأوقاف بتدبير من رجال الخديوي، فعاد إلى البطالة والحاجة، وعاد إلى بلدته أسوان يستجير بها سنة 1914م وظل ببلدته يكتب الشعر والخواطر.
وبعد سنة 1916م اشتغل بالتدريس في المدارس الحرة، هو وصديق عمره إبراهيم
عبد القادر المازني حتى اندلعت ثورة سنة 1919م فشملت البلاد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وخلال تلك الفترة عمل العقاد بجريدة الأهرام، وسخر قلمه للدفاع عن الثورة ورجالها، فتركت مقالاته أثرًا كبيرا في نفوس المصريين، وكانوا ينتظرونها بشوق ولهفة، حتى إن باعة الصحف كانوا يجرون في الشوارع وينادون على الصحيفة باسمه قائلين: "اقرأ مقالات العقاد يا جدع".
سُئل الزعيم سعد زغلول ذات مرة عن العقاد فقال: أديب فحل، له قلم
جبار، ورجولة كاملة، ووطنية صافية، واطلاع واسع، ما قرأت له بحثًا أو رسالة في جريدة أو مجلة إلا أعجبت به غاية الإعجاب، وفي شتاء عام 1921م عاوده
المرض، فعاد إلى بلدته أسوان التي يستجير بها دائمًا كلما نزلت به محنة، وفي تلك الفترة نشر كتاب الديوان الذي أصدره بالاشتراك مع المازني وهاجم فيه الشاعر
أحمد شوقي هجومًا شديدًا.
وقد بعث عباس العقاد في نهضة مصر الأدبية روحًا جديدًا، وأسهم في النضال الوطني، فكان قلمه أقوى سلاح، وقد استعان به سعد زغلول لمناصرته والدفاع
عنه، فظل العقاد يدافع عن حزب الوفد المصري بعد وفاة سعد زغلول، ويفضح الفساد؛ ففي سنة 1930م صاح صيحته المشهورة في مجلس النواب -وكان عضوًا به- قائلاً: إن الأمة على استعداد أن تسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه، فاعتبروا قولته هذه عيبًا في الملك فؤاد، وحوكم العقاد عن تلك التهمة وحبس تسعة أشهر، وعانى ما عانى من الشدائد، واحتمل متاعب السجن والاضطهاد، وذاق الفقر، وعانى المرض، وكان العقاد على صلة بأسرة
تجاوره، عرفت ما يعانيه من فقر وبؤس، فعرضت عليه سيدة نبيلة القلب من هذا البيت حليها ليرهنه، حتى يستطيع تدبير أموره والتغلب على مصاعب الحياة، ورد العقاد لها المعروف بعد موتها بأن كفل ابنة لها ورعاها وأفاض عليها من العطف حتى كانت تدعوه بأبيها!!
وظل يدافع عن وطنه وعن الإسلام دفاعًا شديدًا، وكتب العديد من الكتب عن عظماء الإسلام، فكتب عن محمد -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر الصديق، وعمر وخالد بن الوليد، وعثمان بن عفان، كما كتب الفلسفة القرآنية، والإسلام في القرن العشرين، وحقائق الإسلام وأباطيل خصومه، وما يقال عن الإسلام.
والعقاد شاعر كبير من مجددي الشعر في النهضة الأدبية الحديثة، وعرف هو وصديقاه الشاعران المازني وعبد الرحمن شكري بأنهم أصحاب مدرسة الديوان وأصدر العقاد نحو عشرة دواوين من الشعر منها وحي الأربعين.
كما أن له العديد من الدراسات والبحوث في كافة المجالات الأدبية والاجتماعية والسياسية، وفي سنة 1956م تمَّ اختياره عضوًا بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون
والآداب، وفي سنة 1960م كرمته الدولة فمنحته جائزة الدولة التقديرية للآداب تقديرًا منها لجهوده في مجال الفكر والأدب.
وتحين ساعة النهاية، ففي سنة 1964 مات عملاق الأدب، مات الكاتب الكبير
عباس العقاد، ورحل عن عالمنا بعد أن ترك ثروة أدبية ضخمة لأجيالنا القادمة، وبعد أن دافع بقلمه وفكره عن الإسلام والمسلمين.
في أقصى الصعيد، وفي بلدة تحيطها تلال من الرمال، ولا تنقطع عنها أشعة الشمس اللافحة، في مدينة (أسوان) مدينة الشمس والتاريخ، استقبلت أسرة محمود أفندي إبراهيم مصطفى العقاد مولودًا جديدًا، سُمِّي: عباسًا في يوم الجمعة الثامن والعشرين من يونيو عام 1889م فهرولت نسوة الدار إلى محمود أفندي معاون قلم محفوظات المدينة ينقلن إليه البشرى، ويهنئنه بهذا الحدث السعيد.
كان أجداد العقاد يعملون في صناعة الحرير، فعرفوا بذلك اللقب العقاد؛ الذي يطلق على من يعقد الحرير، ونشأ الطفل الصغير عباس بين أسرة تعرف الله حق
المعرفة، فمنذ أن طلت عيناه على نور الدنيا وجد أبويه يستيقظان قبل الفجر لأداء الصلاة، وكان دائمًا يستمع إلى عبارات الحب للنبي -صلى الله عليه وسلم- بل إن أسماء النبي وآله كانت تتردد في جنبات البيت ليل نهار، ولا عجب في ذلك فأسماء إخوته: محمد وإبراهيم والمختار ومصطفى وأحمد والطاهر.
وفي بيت ريفي قديم عاش عباس العقاد معتزًّا بنفسه، غيورًا على أهله وكرامته، تلقى عباس العقاد مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم في كُتَّاب القرية.. حتى إذا ما بلغ السابعة من عمره ألحقه والده بمدرسة أسوان الابتدائية، وبين جدران هذه المدرسة ظهرت علامات الذكاء والنبوغ على عباس العقاد، وكان مدرس اللغة العربية يعجب به إعجابًا شديدًا، كلما طالع كراسته في الإنشاء.
وفي يوم من الأيام، وبينما عباس في الفرقة الرابعة الابتدائية، إذا بالشيخ محمد عبده الذي كانت له مكانة كبيرة في ذلك الوقت يزور المدرسة، فيطلعه مدرس الإنشاء على موضوع كتبه عباس، فأعجب الشيخ به إعجابًا شديدًا وقال: ما أجدر هذا الصبي أن يكون كاتبًا بعد، فكانت هذه الجملة التي قالها الشيخ محمد عبده حافزًا قويًّا لعباس العقاد في ذلك الوقت المبكر، جعلته يسلك طريق الكتابة دون
سواها.
وفي الشارع الذي كان يقع فيه منزل الأسرة، كان عباس يستمع إلى القصص الخيالية من كبار السن، فكانت هذه القصص سببًا في تفتح مواهبه الأدبية والشعرية إثراء خياله، فأنشد الأناشيد قبل أن يبلغ العاشرة، ونمت مواهبه الأدبية أكثر وأكثر إذ كان والده يصحبه عصر كل يوم إلى جلسات الشيخ أحمد الجداوي الأدبية، وكان عباس أحيانًا يذهب إلى هذه الجلسات بمفرده ليعرض على الشيخ الجداوي ما كتبه من موضوعات الإنشاء، وكان بارعًا في حل المسائل الرياضية.
وكان والده محمود أفندي يقتني بعض المجلات الشهيرة في ذلك الوقت مثل
مجلة الأستاذ لـ(عبد الله النديم) و(أبو نضارة) و(العروة الوثقى) فقرأها الصبي الصغير، وأعجب بها، وخصوصًا مجلة الأستاذ لعبد الله النديم خطيب الثورة العرابية فتأثر به تأثرًا شديدًا، حتى إن عباسًا أخرج صحيفة التلميذ محاكيًا بذلك صحيفة الأستاذ للنديم.
وكانت أسوان مدينة سياحية يأتي إليها السائحون، ويختلطون بأهلها، فأتيحت الفرصة لعباس ليتحدث معهم ويختلط بهم، كما تهيأت له الفرصة لكي يتقن اللغة الإنجليزية حيث كانت تتدرس العلوم باللغة الإنجليزية في المدارس الابتدائية في ذلك الوقت، فقرأ عباس في الأدب الإنجليزي كثيرًا، وأصبحت له حصيلة أدبية كبيرة.
وخلال تلك الفترة المبكرة من حياته، أخذ الصبي عباس العقاد يحلم كثيرًا، ففكر أن يتم تعليمه بالمدرسة الحربية، أو يدرس علم النبات والحيوان، وظل الفتى يتمنى تحقيق تلك الآمال وهذه الأحلام إلى أن تخرج في المدرسة الابتدائية وحصل على شهادتها سنة 1903م ورأى أبوه أن يكتفي بما حصل عليه من العلم وأن يعين في الوظيفة الحكومية (الميري) فلم يجد الفتى بُدًّا من أن يطيع كلام والده.
ومكث في البيت في انتظار الوظيفة تحقيقًا لرغبة والده وأفراد أسرته، وطال
انتظاره، فتطوع بالتدريس في المدرسة الإسلامية الخيرية بأسوان، لكن والد العقاد استطاع بعد فترة أن يوظفه بأربعة جنيهات بالقسم المالي بمدينة قنا سنة 1904م، وفي أثناء عمله بالصعيد كان هو وبعض زملائه الموظفين من أنحاء قنا يعقدون الندوات الأدبية لإلقاء الزجل ومقطوعات الشعر التي ينظمونها، ثم انتقل عباس العقاد في
العام نفسه إلى مدينة الزقازيق، وأخذ يتردد على القاهرة كل أسبوعين لينهل من ندواتها الأدبية ويقتني منها الكتب القيمة.
وفي سنة 1906م استقال العقاد من وظيفته بعد أن ملَّ منها؛ فذهب إلى القاهرة والتحق بمدرسة الفنون والصنائع، ثم تركها وعمل بمصلحة البرق، وكان يسكن في حجرة يستأجرها ببضعة قروش يضع فيها كل ما يملك من كتب قديمة كان يشتريها من حي الأزهر العتيق، وتتعثر أحوال عباس العقاد المادية، ويعجز عن مواجهة أعباء الحياة، حتى إيجار الحجرة التي كان يسكن فيها أصبح يمثل له مشكلة كبيرة، فاضطر إلى الرحيل إلى بلدته أسوان تاركًا كتبه ومتاعه في الحجرة، فمكث هناك مدة
قصيرة، ثم عاد إلى القاهرة، فتمكن من العمل بجريدة الدستور مع المفكر الإسلامي الكبير محمد فريد وجدي سنة 1907م بمرتب قدره ستة جنيهات، واستطاع أن يجري حديثًا صحفيًّا مع الزعيم سعد زغلول، وكان وزيرًا للمعارف في ذلك
الوقت، فأحدث ضجة صحفية كبيرة، وفي عام 1909م تعطلت صحيفة الدستور فاضطر محمد فريد وجدي أن يبيع كتبه ليسدد بها أجور العمال وأصحاب
الديون.
وافترق عباس العقاد عن الكاتب الإسلامي محمد فريد وجدي بعد صحبة استمرت عامين، واضطر عباس العقاد هو الآخر لبيع كتبه ليشتري بثمنها حاجاته وطعامه على أن يشتري غيرها بعدما يجد عملاً وتتحسن الظروف، لكنه مرض فقرر السفر إلى أسوان، وهناك يقضي كل وقته في المطالعة والكتابة إلى أن استعاد صحته، وشفي من مرضه، فعاد إلى القاهرة مرة أخرى وكان ذلك سنة 1911م فاشترك في تحرير جريدة البيان، والتقى فيها بالكثير من الأدباء والشعراء أمثال: طه حسين، وعبد الرحمن شكري، والمازني.. وغيرهم من حملة الأقلام.
ولفتت كتابات العقاد أنظار الكاتب المشهور في ذلك الوقت محمد المويلحي مدير قسم الإدارة بديوان الأوقاف، فاختاره مساعد كاتب بالمجلس الأعلى بقلم السكرتارية، ثم عمل في جريدة المؤيد لصاحبها في ذلك الوقت الصحفي الكبير أحمد حافظ عوض، وقام بتحرير الصفحة الأدبية فيها، ولم يبلغ الخامسة والعشرين من عمره.
وفي أثناء فترة عمله بهذه الجريدة وبالتحديد في عام 1914م قام الخديوي برحلة في الوجه البحري ليجمع الصفوف حوله ليستعيد شعبيته وصحب معه أحمد حافظ عوض ليصوغ كتابًا عن هذه الرحلة يسميه كتاب الرحلة الذهبي، وفوجئ العقاد الذي كان ينوب عن أحمد عوض أثناء غيابه بالجريدة، بمحاولات لإغرائه بالمال ليشترك في تحرير هذا الكتاب الذي يهلل للخديوي ويشيد به، في حين كان العقاد يهاجم الخديوي في كتاباته، فغضب لكرامته، وترك المؤيد إلى غير رجعة مفضلاً الجوع على النفاق.
وكتب العقاد فصولاً نقدية في مجلة عكاظ مع الشاعرين المازني وعبد الرحمن شكري من سنة 1912م إلى سنة 1914م ولكنه خرج من عمله بالأوقاف بتدبير من رجال الخديوي، فعاد إلى البطالة والحاجة، وعاد إلى بلدته أسوان يستجير بها سنة 1914م وظل ببلدته يكتب الشعر والخواطر.
وبعد سنة 1916م اشتغل بالتدريس في المدارس الحرة، هو وصديق عمره إبراهيم
عبد القادر المازني حتى اندلعت ثورة سنة 1919م فشملت البلاد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وخلال تلك الفترة عمل العقاد بجريدة الأهرام، وسخر قلمه للدفاع عن الثورة ورجالها، فتركت مقالاته أثرًا كبيرا في نفوس المصريين، وكانوا ينتظرونها بشوق ولهفة، حتى إن باعة الصحف كانوا يجرون في الشوارع وينادون على الصحيفة باسمه قائلين: "اقرأ مقالات العقاد يا جدع".
سُئل الزعيم سعد زغلول ذات مرة عن العقاد فقال: أديب فحل، له قلم
جبار، ورجولة كاملة، ووطنية صافية، واطلاع واسع، ما قرأت له بحثًا أو رسالة في جريدة أو مجلة إلا أعجبت به غاية الإعجاب، وفي شتاء عام 1921م عاوده
المرض، فعاد إلى بلدته أسوان التي يستجير بها دائمًا كلما نزلت به محنة، وفي تلك الفترة نشر كتاب الديوان الذي أصدره بالاشتراك مع المازني وهاجم فيه الشاعر
أحمد شوقي هجومًا شديدًا.
وقد بعث عباس العقاد في نهضة مصر الأدبية روحًا جديدًا، وأسهم في النضال الوطني، فكان قلمه أقوى سلاح، وقد استعان به سعد زغلول لمناصرته والدفاع
عنه، فظل العقاد يدافع عن حزب الوفد المصري بعد وفاة سعد زغلول، ويفضح الفساد؛ ففي سنة 1930م صاح صيحته المشهورة في مجلس النواب -وكان عضوًا به- قائلاً: إن الأمة على استعداد أن تسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه، فاعتبروا قولته هذه عيبًا في الملك فؤاد، وحوكم العقاد عن تلك التهمة وحبس تسعة أشهر، وعانى ما عانى من الشدائد، واحتمل متاعب السجن والاضطهاد، وذاق الفقر، وعانى المرض، وكان العقاد على صلة بأسرة
تجاوره، عرفت ما يعانيه من فقر وبؤس، فعرضت عليه سيدة نبيلة القلب من هذا البيت حليها ليرهنه، حتى يستطيع تدبير أموره والتغلب على مصاعب الحياة، ورد العقاد لها المعروف بعد موتها بأن كفل ابنة لها ورعاها وأفاض عليها من العطف حتى كانت تدعوه بأبيها!!
وظل يدافع عن وطنه وعن الإسلام دفاعًا شديدًا، وكتب العديد من الكتب عن عظماء الإسلام، فكتب عن محمد -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر الصديق، وعمر وخالد بن الوليد، وعثمان بن عفان، كما كتب الفلسفة القرآنية، والإسلام في القرن العشرين، وحقائق الإسلام وأباطيل خصومه، وما يقال عن الإسلام.
والعقاد شاعر كبير من مجددي الشعر في النهضة الأدبية الحديثة، وعرف هو وصديقاه الشاعران المازني وعبد الرحمن شكري بأنهم أصحاب مدرسة الديوان وأصدر العقاد نحو عشرة دواوين من الشعر منها وحي الأربعين.
كما أن له العديد من الدراسات والبحوث في كافة المجالات الأدبية والاجتماعية والسياسية، وفي سنة 1956م تمَّ اختياره عضوًا بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون
والآداب، وفي سنة 1960م كرمته الدولة فمنحته جائزة الدولة التقديرية للآداب تقديرًا منها لجهوده في مجال الفكر والأدب.
وتحين ساعة النهاية، ففي سنة 1964 مات عملاق الأدب، مات الكاتب الكبير
عباس العقاد، ورحل عن عالمنا بعد أن ترك ثروة أدبية ضخمة لأجيالنا القادمة، وبعد أن دافع بقلمه وفكره عن الإسلام والمسلمين.
على مجاهد- مشرف منتدى الاخبار والسياسة
-
عدد الرسائل : 1184
رقم العضويه : 17
المهنه :
رقمى المفضل : 0
تاريخ التسجيل : 19/01/2008
الاوسمة
:
الاضافات:
رد: اعرف رواد حركة التنوير أدباء وشعراء
محمود سامى البارودى باشا . . . رب السيف والقلم
يعد محمود سامى البارودي رائد الشعر العربي في العصر الحديث، حيث وثب به وثبة عالية لم يكن يحلم بها معاصروه، ففكّه من قيوده البديعية وأغراضه الضيقة، ووصله بروائعه القديمة وصياغتها المحكمة، وربطه بحياته وحياة أمته،وهو إن قلّد القدماء وحاكاهم في أغراضهم وطريقة عرضهم للموضوعات وفي أسلوبهم وفي معانيهم، فإن له مع ذلك تجديدًا ملموسًا من حيث التعبير عن شعوره وإحساسه، وله معان جديدة وصور مبتكرة،وقد نظم الشعر في كل أغراضه المعروفة من غزل ومديح وفخر وهجاء ورثاء، مرتسمًا نهج الشعر العربي القديم، غير أن شخصيته كانت واضحة في كل ما نظم؛ فهو الضابط الشجاع، والثائر على الظلم، والمغترب عن الوطن، والزوج الحاني، والأب الشفيق، والصديق الوفي،وترك ديوان شعر يزيد عدد أبياته على خمسة آلاف بيت، طبع في أربعة مجلدات.
ولد محمود سامي البارودي في 6 أكتوبرعام 1839 بالقاهرة لأبوين من الشراكسة، وجاءت شهرته بالبارودي نسبة إلى بلدة إيتاي البارود التابعة لمحافظة البحيرة بمصر، وكان أحد أجداده ملتزمًا لها ويجمع الضرائب من أهلها،ونشأ البارودي في أسرة على شيء من الثراء والسلطان، فأبوه كان ضابطًا في الجيش المصري برتبة لواء.
تلقى البارودي دروسه الأولى في بيته، فتعلم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ النحو والصرف، ودرس شيئًا من الفقه والتاريخ والحساب، ثم التحق وهو في الثانية عشرة من عمره بالمدرسة الحربية وفي هذه الفترة بدأ يظهر شغفًا بالشعر العربي وشعرائه الفحول، وبعد أربع سنوات من الدراسة تخرّج برتبة باششاويش ثم سافر إلى إستانبول مقر الخلافة العثمانية، والتحق بوزارة الخارجية، وتمكن في أثناء إقامته من إتقان التركية والفارسية ومطالعة آدابهما، وحفظ كثيرًا من أشعارهما، ودعته سليقته الشعرية المتوهجة إلى نظم الشعر بهما كما ينظم بالعربية.
وعندما سافر الخديوي إسماعيل إلى العاصمة العثمانية بعد توليه العرش ليقدم آيات الشكر للخلافة، ألحق البارودي بحاشيته، فعاد إلى مصر بعد غيبة طويلة امتددت ثماني سنوات، ولم يلبث أن حنّ البارودي إلى حياة الجندية، فترك معية الخديوي إلى الجيش برتبة بكباشي.
وفي أثناء عمله بالجيش اشترك في الحملة العسكرية التي خرجت سنة 1865م لمساندة جيش الخلافة العثمانية في إخماد الفتنة التي نشبت في جزيرة كريت، وهناك أبلى البارودي بلاء حسنًا،وبعد عودة البارودي من حرب كريت تم نقله إلى المعية الخديوية ياورًا خاصًا للخديوي إسماعيل، وقد ظل في هذا المنصب ثمانية أعوام، ثم تم تعيينه كبيرًا لياوران ولي العهد توفيق بن إسماعيل ،ومكث في منصبه سنتين ونصف السنة، عاد بعدها إلى معية الخديوي إسماعيل كاتبًا لسره ، ثم ترك منصبه في القصر وعاد إلى الجيش.
ولما استنجدت الدولة العثمانية بمصر في حربها ضد روسيا ورومانيا وبلغاريا والصرب، كان البارودي ضمن قواد الحملة الضخمة التي بعثتها مصر، بعد عودة البارودي من حرب البلقان تم تعيينه مديرًا لمحافظة الشرقية فى إبريل 1878،وسرعان ما نقل محافظًا للقاهرة، وكانت مصر في هذه الفترة تمر بمرحلة حرجة من تاريخها، بعد أن غرقت البلاد في الديون، وتدخلت إنجلترا وفرنسا في توجيه السياسة المصرية، بعد أن صار لهما وزيران في الحكومة المصرية، ونتيجة لذلك نشطت الحركة الوطنية وتحركت الصحافة، وظهر تيار الوعي الذي يقوده جمال الدين الأفغاني لإنقاذ العالم الإسلامي من الاستعمار.
وبعد تولّى الخديوي توفيق الحكم سنة 1879م أسند نظارة الوزارة إلى شريف باشا، فأدخل معه في الوزارة البارودي ناظرًا للمعارف والأوقاف، غير أن توفيق نكص على عقبيه بعد أن تعلقت به الآمال في الإصلاح، فقبض على جمال الدين الأفغاني ونفاه من البلاد، وشرد أنصاره ومريديه، وأجبر شريف باشا على تقديم استقالته، وقبض هو على زمام الوزارة، وشكلها تحت رئاسته، وأبقى البارودي في منصبه وزيرًا للمعارف والأوقاف، بعدها صار وزيرًا للأوقاف في وزارة رياض.
وقد نهض البارودي بوزارة الأوقاف، ونقح قوانينها، وكون لجنة من العلماء والمهندسين والمؤرخين للبحث عن الأوقاف المجهولة، وجمع الكتب والمخطوطات الموقوفة في المساجد، ووضعها في مكان واحد، وكانت هذه المجموعة نواة دار الكتب التي أنشأها علي مبارك، كما عُني بالآثار العربية وكون لها لجنة لجمعها، فوضعت ما جمعت في مسجد الحاكم حتى تُبنى لها دار خاصة، ونجح في أن يولي صديقه محمد عبده تحرير الوقائع المصرية، فبدأت الصحافة في مصر عهدًا جديدًا.
ثم تولى البارودي وزارة الحربية خلفًا لرفقي باشا إلى جانب وزارته للأوقاف، بعد مطالبة حركة الجيش الوطنية بقيادة عرابي بعزل رفقي، وبدأ البارودي في إصلاح القوانين العسكرية مع زيادة رواتب الضباط والجند، لكنه لم يستمر في المنصب طويلاً، فخرج من الوزارة بعد تقديم استقالته فى أغسطس 1881 نظرًا لسوء العلاقة بينه وبين رياض باشا رئيس الوزراء، الذي دس له عند الخديوي.
عاد البارودي مرة أخرى إلى نظارة الحربية والبحرية في الوزارة التي شكلها شريف باشا عقب مظاهرة عابدين التي قام بها الجيش في سبتمبر 1881 لكن الوزارة لم تستمر طويلاً، وشكل البارودي الوزارة الجديدة في فبراير 1882 أُطلق على وزارة البارودي وزارة الثورة؛ تم تقديم استقالته فى نفس كما نفي إلى جزيرة سرنديب.
أقام البارودي في الجزيرة سبعة عشر عامًا وبعض عام، وفي المنفى شغل البارودي نفسه بتعلم الإنجليزية حتى أتقنها، وانصرف إلى تعليم أهل الجزيرة اللغة العربية ليعرفوا لغة دينهم الحنيف، وإلى اعتلاء المنابر في مساجد المدينة ليُفقّه أهلها شعائر الإسلام،وطوال هذه الفترة قال قصائده الخالدة، التي يسكب فيها آلامه وحنينه إلى الوطن، ويرثي من مات من أهله وأحبابه وأصدقائه، ويتذكر أيام شبابه ولهوه وما آل إليه حاله، ومضت به أيامه في المنفى ثقيلة واجتمعت عليه علل الأمراض، وفقدان الأهل والأحباب، فساءت صحته، واشتدت وطأة المرض عليه، ثم سُمح له بالعودة بعد أن تنادت الأصوات وتعالت بضرورة رجوعه إلى مصر، فعاد في سبتمبر 1899م.
بعد عودته إلى القاهرة ترك العمل السياسي، وفتح بيته للأدباء والشعراء، يستمع إليهم، ويسمعون منه، وكان على رأسهم شوقي وحافظ ومطران، وإسماعيل صبري، وقد تأثروا به ونسجوا على منواله، فخطوا بالشعر خطوات واسعة، وأُطلق عليهم مدرسة النهضة أو مدرسة الأحياء،ولم تطل الحياة بالبارودي بعد رجوعه، فلقي ربه في 12 من ديسمبر 1904.
منقول
يعد محمود سامى البارودي رائد الشعر العربي في العصر الحديث، حيث وثب به وثبة عالية لم يكن يحلم بها معاصروه، ففكّه من قيوده البديعية وأغراضه الضيقة، ووصله بروائعه القديمة وصياغتها المحكمة، وربطه بحياته وحياة أمته،وهو إن قلّد القدماء وحاكاهم في أغراضهم وطريقة عرضهم للموضوعات وفي أسلوبهم وفي معانيهم، فإن له مع ذلك تجديدًا ملموسًا من حيث التعبير عن شعوره وإحساسه، وله معان جديدة وصور مبتكرة،وقد نظم الشعر في كل أغراضه المعروفة من غزل ومديح وفخر وهجاء ورثاء، مرتسمًا نهج الشعر العربي القديم، غير أن شخصيته كانت واضحة في كل ما نظم؛ فهو الضابط الشجاع، والثائر على الظلم، والمغترب عن الوطن، والزوج الحاني، والأب الشفيق، والصديق الوفي،وترك ديوان شعر يزيد عدد أبياته على خمسة آلاف بيت، طبع في أربعة مجلدات.
ولد محمود سامي البارودي في 6 أكتوبرعام 1839 بالقاهرة لأبوين من الشراكسة، وجاءت شهرته بالبارودي نسبة إلى بلدة إيتاي البارود التابعة لمحافظة البحيرة بمصر، وكان أحد أجداده ملتزمًا لها ويجمع الضرائب من أهلها،ونشأ البارودي في أسرة على شيء من الثراء والسلطان، فأبوه كان ضابطًا في الجيش المصري برتبة لواء.
تلقى البارودي دروسه الأولى في بيته، فتعلم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ النحو والصرف، ودرس شيئًا من الفقه والتاريخ والحساب، ثم التحق وهو في الثانية عشرة من عمره بالمدرسة الحربية وفي هذه الفترة بدأ يظهر شغفًا بالشعر العربي وشعرائه الفحول، وبعد أربع سنوات من الدراسة تخرّج برتبة باششاويش ثم سافر إلى إستانبول مقر الخلافة العثمانية، والتحق بوزارة الخارجية، وتمكن في أثناء إقامته من إتقان التركية والفارسية ومطالعة آدابهما، وحفظ كثيرًا من أشعارهما، ودعته سليقته الشعرية المتوهجة إلى نظم الشعر بهما كما ينظم بالعربية.
وعندما سافر الخديوي إسماعيل إلى العاصمة العثمانية بعد توليه العرش ليقدم آيات الشكر للخلافة، ألحق البارودي بحاشيته، فعاد إلى مصر بعد غيبة طويلة امتددت ثماني سنوات، ولم يلبث أن حنّ البارودي إلى حياة الجندية، فترك معية الخديوي إلى الجيش برتبة بكباشي.
وفي أثناء عمله بالجيش اشترك في الحملة العسكرية التي خرجت سنة 1865م لمساندة جيش الخلافة العثمانية في إخماد الفتنة التي نشبت في جزيرة كريت، وهناك أبلى البارودي بلاء حسنًا،وبعد عودة البارودي من حرب كريت تم نقله إلى المعية الخديوية ياورًا خاصًا للخديوي إسماعيل، وقد ظل في هذا المنصب ثمانية أعوام، ثم تم تعيينه كبيرًا لياوران ولي العهد توفيق بن إسماعيل ،ومكث في منصبه سنتين ونصف السنة، عاد بعدها إلى معية الخديوي إسماعيل كاتبًا لسره ، ثم ترك منصبه في القصر وعاد إلى الجيش.
ولما استنجدت الدولة العثمانية بمصر في حربها ضد روسيا ورومانيا وبلغاريا والصرب، كان البارودي ضمن قواد الحملة الضخمة التي بعثتها مصر، بعد عودة البارودي من حرب البلقان تم تعيينه مديرًا لمحافظة الشرقية فى إبريل 1878،وسرعان ما نقل محافظًا للقاهرة، وكانت مصر في هذه الفترة تمر بمرحلة حرجة من تاريخها، بعد أن غرقت البلاد في الديون، وتدخلت إنجلترا وفرنسا في توجيه السياسة المصرية، بعد أن صار لهما وزيران في الحكومة المصرية، ونتيجة لذلك نشطت الحركة الوطنية وتحركت الصحافة، وظهر تيار الوعي الذي يقوده جمال الدين الأفغاني لإنقاذ العالم الإسلامي من الاستعمار.
وبعد تولّى الخديوي توفيق الحكم سنة 1879م أسند نظارة الوزارة إلى شريف باشا، فأدخل معه في الوزارة البارودي ناظرًا للمعارف والأوقاف، غير أن توفيق نكص على عقبيه بعد أن تعلقت به الآمال في الإصلاح، فقبض على جمال الدين الأفغاني ونفاه من البلاد، وشرد أنصاره ومريديه، وأجبر شريف باشا على تقديم استقالته، وقبض هو على زمام الوزارة، وشكلها تحت رئاسته، وأبقى البارودي في منصبه وزيرًا للمعارف والأوقاف، بعدها صار وزيرًا للأوقاف في وزارة رياض.
وقد نهض البارودي بوزارة الأوقاف، ونقح قوانينها، وكون لجنة من العلماء والمهندسين والمؤرخين للبحث عن الأوقاف المجهولة، وجمع الكتب والمخطوطات الموقوفة في المساجد، ووضعها في مكان واحد، وكانت هذه المجموعة نواة دار الكتب التي أنشأها علي مبارك، كما عُني بالآثار العربية وكون لها لجنة لجمعها، فوضعت ما جمعت في مسجد الحاكم حتى تُبنى لها دار خاصة، ونجح في أن يولي صديقه محمد عبده تحرير الوقائع المصرية، فبدأت الصحافة في مصر عهدًا جديدًا.
ثم تولى البارودي وزارة الحربية خلفًا لرفقي باشا إلى جانب وزارته للأوقاف، بعد مطالبة حركة الجيش الوطنية بقيادة عرابي بعزل رفقي، وبدأ البارودي في إصلاح القوانين العسكرية مع زيادة رواتب الضباط والجند، لكنه لم يستمر في المنصب طويلاً، فخرج من الوزارة بعد تقديم استقالته فى أغسطس 1881 نظرًا لسوء العلاقة بينه وبين رياض باشا رئيس الوزراء، الذي دس له عند الخديوي.
عاد البارودي مرة أخرى إلى نظارة الحربية والبحرية في الوزارة التي شكلها شريف باشا عقب مظاهرة عابدين التي قام بها الجيش في سبتمبر 1881 لكن الوزارة لم تستمر طويلاً، وشكل البارودي الوزارة الجديدة في فبراير 1882 أُطلق على وزارة البارودي وزارة الثورة؛ تم تقديم استقالته فى نفس كما نفي إلى جزيرة سرنديب.
أقام البارودي في الجزيرة سبعة عشر عامًا وبعض عام، وفي المنفى شغل البارودي نفسه بتعلم الإنجليزية حتى أتقنها، وانصرف إلى تعليم أهل الجزيرة اللغة العربية ليعرفوا لغة دينهم الحنيف، وإلى اعتلاء المنابر في مساجد المدينة ليُفقّه أهلها شعائر الإسلام،وطوال هذه الفترة قال قصائده الخالدة، التي يسكب فيها آلامه وحنينه إلى الوطن، ويرثي من مات من أهله وأحبابه وأصدقائه، ويتذكر أيام شبابه ولهوه وما آل إليه حاله، ومضت به أيامه في المنفى ثقيلة واجتمعت عليه علل الأمراض، وفقدان الأهل والأحباب، فساءت صحته، واشتدت وطأة المرض عليه، ثم سُمح له بالعودة بعد أن تنادت الأصوات وتعالت بضرورة رجوعه إلى مصر، فعاد في سبتمبر 1899م.
بعد عودته إلى القاهرة ترك العمل السياسي، وفتح بيته للأدباء والشعراء، يستمع إليهم، ويسمعون منه، وكان على رأسهم شوقي وحافظ ومطران، وإسماعيل صبري، وقد تأثروا به ونسجوا على منواله، فخطوا بالشعر خطوات واسعة، وأُطلق عليهم مدرسة النهضة أو مدرسة الأحياء،ولم تطل الحياة بالبارودي بعد رجوعه، فلقي ربه في 12 من ديسمبر 1904.
منقول
على مجاهد- مشرف منتدى الاخبار والسياسة
-
عدد الرسائل : 1184
رقم العضويه : 17
المهنه :
رقمى المفضل : 0
تاريخ التسجيل : 19/01/2008
الاوسمة
:
الاضافات:
رد: اعرف رواد حركة التنوير أدباء وشعراء
الشاعر العظيم حافظ ابراهيم
حياته
ولد حافظ إبراهيم على متن سفينة كانت راسية على النيل أمام ديروط وهي مدينة بمحافظة أسيوط من أب مصري وأم تركية. توفي والداه وهو صغير. وقبل وفاتها، أتت به أمه إلى القاهرة حيث نشأ بها يتيما تحت كفالة خاله الذي كان ضيق الرزق حيث كان يعمل مهندسا في مصلحة التنظيم. ثم انتقل خاله إلى مدينة طنطا وهنالك أخذ حافظ يدرس في الكتاتيب. أحس حافظ إبراهيم بضيق خاله به مما أثر في نفسه، فرحل عنه وترك له رسالة كتب فيها:
ثقلت عليك مؤونتي إني أراها واهية
فافرح فإني ذاهب متوجه في داهية
بعد أن خرج حافظ إبراهيم من عند خاله هام على وجهه في طرقات مدنية طنطا حتى انتهى به الأمر إلى مكتب المحام محمد أبو شادي، أحد زعماء ثورة 1919، وهناك اطلع على كتب الأدب وأعجب بالشاعر محمود سامي البارودي. وبعد أن عمل بالمحاماة لفترة من الزمن، التحق حافظ إبراهيم بالمدرسة الحربية في عام 1888 م وتخرج منها في عام 1891 م ضابط برتبة ملازم ثان في الجيش المصري وعين في وزارة الداخلية. وفي عام 1896 م أرسل إلى السودان مع الحملة المصرية إلى أن الحياة لم تطب له هنالك، فثار مع بعض الضباط. نتيجة لذلك، أحيل حافظ على الاستيداع بمرتب ضئيل.
شخصيته
كان حافظ إبراهيم إحدى أعاجيب زمانه، ليس فقط في جزالة شعره بل في قوة ذاكرته التى قاومت السنين ولم يصيبها الوهن والضعف على مر 60 سنة هى عمر حافظ إبراهيم، فإنها ولا عجب إتسعت لآلاف الآلاف من القصائد العربية القديمة والحديثة ومئات المطالعات والكتب وكان بإستطاعته – بشهادة أصدقائه – أن يقرأ كتاب أو ديوان شعر كامل في عده دقائق وبقراءة سريعة ثم بعد ذلك يتمثل ببعض فقرات هذا الكتاب أو أبيات ذاك الديوان. وروى عنه بعض أصدقائه أنه كان يسمع قارئ القرآن في بيت خاله يقرأ سورة الكهف أو مريم او طه فيحفظ ما يقوله ويؤديه كما سمعه بالروايه التى سمع القارئ يقرأ بها.
يعتبر شعره سجل الأحداث، إنما يسجلها بدماء قلبه وأجزاء روحه ويصوغ منها أدبا قيما يحث النفوس ويدفعها إلى النهضة، سواء أضحك في شعره أم بكى وأمل أم يئس، فقد كان يتربص كل حادث هام يعرض فيخلق منه موضوعا لشعره ويملؤه بما يجيش في صدره.
وللأسف, مع تلك الهبة الرائعة التى قلما يهبها الله – عز وجل – لإنسان ، فأن حافظ رحمه الله أصابه - ومن فترة امتدت من 1911 إلى 1932 – داء اللامباله والكسل وعدم العناية بتنميه مخزونه الفكرى وبالرغم من إنه كان رئيساً للقسم الأدبى بدار الكتب إلا أنه لم يقرأ في هذه الفترة كتاباً واحداً من آلاف الكتب التى تذخر بها دار المعارف! الذى كان الوصول إليها يسير بالنسبه لحافظ، ولا أدرى حقيقة سبب ذلك ولكن إحدى الآراء تقول ان هذه الكتب المترامية الأطراف القت في سأم حافظ الملل! ومنهم من قال بأن نظر حافظ بدا بالذبول خلال فترة رئاسته لدار الكتب وخاف من المصير الذى لحق بالبارودى في أواخر أيامه.
كان حافظ إبراهيم رجل مرح وأبن نكتة وسريع البديهة يملأ المجلس ببشاشته و فكاهاته الطريفة التى لا تخطأ مرماها.
وأيضاً تروى عن حافظ أبراهيم مواقف غريبة مثل تبذيره الشديد للمال فكما قال العقاد ( مرتب سنة في يد حافظ إبراهيم يساوى مرتب شهر ) ومما يروى عن غرائب تبذيره أنه استأجر قطار كامل ليوصله بمفرده إلى حلوان حيث يسكن وذلك بعد مواعيد العمل الرسمية.
مثلما يختلف الشعراء في طريقة توصيل الفكرة أو الموضوع إلى المستمعين أو القراء، كان لحافظ إبراهيم طريقته الخاصة فهو لم يكن يتمتع بقدر كبير من الخيال ولكنه أستعاض عن ذلك بجزالة الجمل وتراكيب الكلمات وحسن الصياغة بالأضافة أن الجميع اتفقوا على انه كان أحسن خلق الله إنشاداً للشعر. ومن أروع المناسبات التى أنشد حافظ بك فيها شعره بكفاءة هى حفلة تكريم أحمد شوقى ومبايعته أميراً للشعر في دار الأوبرا، وأيضاً القصيدة التى أنشدها ونظمها في الذكرى السنوية لرحيل مصطفى كامل التى خلبت الألباب وساعدها على ذلك الأداء المسرحى الذى قام به حافظ للتأثير في بعض الأبيات، ومما يبرهن ذلك ذلك المقال الذى نشرته إحدى الجرائد والذى تناول بكامله فن إنشاد الشعر عند حافظ. ومن الجدير بالذكر أن أحمد شوقى لم يلقى في حياته قصيدة على ملأ من الناس حيث كان الموقف يرهبه فيتلعثم عند الإلقاء.
أقوال عن حافظ إبراهيم
حافظ كما يقول عنه مطران خليل مطران "أشبه بالوعاء يتلقى الوحى من شعور الأمة وأحاسيسها ومؤثراتها في نفسه, فيمتزج ذلك كله بشعوره و إحساسه، فيأتى منه القول المؤثر المتدفق بالشعور الذى يحس كل مواطن أنه صدى لما في نفسه". ويقول عنه أيضاً "حافظ المحفوظ من أفصح أساليب العرب ينسج على منوالها ويتذوق نفائس مفرادتها وإعلاق حلالها." وأيضاً "يقع إليه ديوان فيتصفحه كله وحينما يظفر بجيده يستظهره، وكانت محفوظاته تعد بالألوف وكانت لا تزال ماثلة في ذهنه على كبر السن وطول العهد، بحيث لا يمترى إنسان في ان هذا الرجل كان من أعاجيب الزمان".
وقال عنه العقاد "مفطوراً بطبعه على إيثار الجزالة و الإعجاب بالصياغة والفحولة في العبارة."
كان أحمد شوقى يعتز بصداقه حافظ إبراهيم ويفضله على أصدقائه. و كان حافظ إبراهيم يرافقه في عديد من رحلاته وكان لشوقى أيادى بيضاء على حافظ فساهم في منحه لقب بك و حاول ان يوظفه في جريدة الأهرام ولكن فشلت هذه المحاولة لميول صاحب الأهرام - وكان حينذاك من لبنان - نحو الإنجليز وخشيته من المبعوث البريطانى اللورد كرومر.
من أشعاره
سافر حافظ إبراهيم إلى سوريا، وعند زيارته للمجمع العلمي بدمشق قال هذين البيتين:
شكرت جميل صنعكم بدمعي ودمع العين مقياس الشعور
لاول مرة قد ذاق جفني - على ما ذاقه - دمع السرور
لاحظ الشاعر مدى ظلم المستعمر وتصرفه بخيرات بلاده فنظم قصيدة بعنوان الامتيازات الأجنبية، ومما جاء فيها:
سكتُّ فأصغروا أدبي وقلت فاكبروا أربي
يقتلنا بلا قود ولا دية ولا رهب
ويمشي نحو رايته فنحميه من العطب
فقل للفاخرين: أما لهذا الفخر من سبب؟
أروني بينكم رجلا ركينا واضح الحسب
أروني نصف مخترع أروني ربع محتسب؟
أروني ناديا حفلا بأهل الفضل والأدب؟
وماذا في مدارسكم من التعليم والكتب؟
وماذا في مساجدكم من التبيان والخطب؟
وماذا في صحائفكم سوى التمويه والكذب؟
حصائد ألسن جرّت إلى الويلات والحرب
فهبوا من مراقدكم فإن الوقت من ذهب
وله قصيدة عن لسان صديقه يرثي ولده، وقد جاء في مطلع قصيدته:
ولدي، قد طال سهدي ونحيبي جئت أدعوك فهل أنت مجيبي؟
جئت أروي بدموعي مضجعا فيه أودعت من الدنيا نصيبي
ويجيش حافظ إذ يحسب عهد الجاهلية أرفق حيث استخدم العلم للشر، وهنا يصور موقفه كإنسان بهذين البيتين ويقول:
ولقد حسبت العلم فينا نعمة تأسو الضعيف ورحمة تتدفق
فإذا بنعمته بلاء مرهق وإذا برحمته قضاء مطبق
ومن شعره أيضاً:
كم مر بي فيك عيش لست أذكره ومر بي فيك عيش لست أنساه
ودعت فيك بقايا ما علقت به من الشباب وما ودعت ذكراه
أهفو إليه على ما أقرحت كبدي من التباريج أولاه وأخراه
لبسته ودموع العين طيعة والنفس جياشة والقلب أواه
فكان عوني على وجد أكابده ومر عيش على العلات ألقاه
إن خان ودي صديق كنت أصحبه أو خان عهدي حبيب كنت أهواه
قد أرخص الدمع ينبوع الغناء به وا لهفتي ونضوب الشيب أغلاه
كم روح الدمع عن قلبي وكم غسلت منه السوابق حزنا في حناياه
قالوا تحررت من قيد الملاح فعش حرا ففي الأسر ذلّ كنت تأباه
فقلت يا ليته دامت صرامته ما كان أرفقه عندي وأحناه
بدلت منه بقيد لست أفلته وكيف أفلت قيدا صاغه الله
أسرى الصبابة أحياء وإن جهدوا أما المشيب ففي الأموات أسراه
وقال:
والمال إن لم تدخره محصنا بالعلم كان نهاية الإملاق
والعلم إن لم تكتنفه شمائل تعليه كان مطية الإخفاق
لا تحسبن العلم ينفع وحده ما لم يتوج ربه بخلاق
من لي بتربية النساء فإنها في الشرق علة ذلك الإخفاق
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
الأم روض إن تعهده الحيا بالسري أورق أيما إيراق
اللأم أستاذ الأساتذة الألى شغلت مآثرهم مدى الآفاق
أنا لا أقول دعوا النساء سوافرا بين الرجال يجلن في الأسواق
يدرجن حيث أرَدن لا من وازع يحذرن رقبته ولا من واقي
يفعلن أفعال الرجال لواهيا عن واجبات نواعس الأحداق
في دورهن شؤونهن كثيرة كشؤون رب السيف والمزراق
تتشكّل الأزمان في أدوارها دولا وهن على الجمود بواقي
فتوسطوا في الحالتيسن وأنصفوا فالشر في التّقييد والإطلاق
ربوا البنات على الفضيلة إنها في الموقفين لهن خير وثاق
وعليكم أن تستبين بناتكم نور الهدى وعلى الحياء الباقي
وفاته
توفي حافظ إبراهيم سنة 1932 م في الساعة الخامسة من صباح يوم الخميس، وكان قد أستدعى 2 من أصحابه لتناول العشاء ولم يشاركهما لمرض أحس به. وبعد مغادرتهما شعر بوطئ المرض فنادى غلامه الذى أسرع لإستدعاء الطبيب وعندما عاد كان حافظ في النزع الاخير، توفى رحمه الله ودفن في مقابر السيدة نفيسة (رضي الله عنها).
وعندما توفى حافظ كان أحمد شوقى يصطاف في الإسكندرية و بعدما بلّغه سكرتيره – أى سكرتير شوقى - بنبأ وفاة حافظ بعد ثلاث أيام لرغبة سكرتيره في إبعاد الأخبار السيئة عن شوقي ولعلمه بمدى قرب مكانة حافظ منه، شرد شوقي لحظات ثم رفع رأسه وقال أول بيت من مرثيته لحافظ:
قد كنت أوثر أن تقول رثائي يا منصف الموتى من الأحياء
منقول
حياته
ولد حافظ إبراهيم على متن سفينة كانت راسية على النيل أمام ديروط وهي مدينة بمحافظة أسيوط من أب مصري وأم تركية. توفي والداه وهو صغير. وقبل وفاتها، أتت به أمه إلى القاهرة حيث نشأ بها يتيما تحت كفالة خاله الذي كان ضيق الرزق حيث كان يعمل مهندسا في مصلحة التنظيم. ثم انتقل خاله إلى مدينة طنطا وهنالك أخذ حافظ يدرس في الكتاتيب. أحس حافظ إبراهيم بضيق خاله به مما أثر في نفسه، فرحل عنه وترك له رسالة كتب فيها:
ثقلت عليك مؤونتي إني أراها واهية
فافرح فإني ذاهب متوجه في داهية
بعد أن خرج حافظ إبراهيم من عند خاله هام على وجهه في طرقات مدنية طنطا حتى انتهى به الأمر إلى مكتب المحام محمد أبو شادي، أحد زعماء ثورة 1919، وهناك اطلع على كتب الأدب وأعجب بالشاعر محمود سامي البارودي. وبعد أن عمل بالمحاماة لفترة من الزمن، التحق حافظ إبراهيم بالمدرسة الحربية في عام 1888 م وتخرج منها في عام 1891 م ضابط برتبة ملازم ثان في الجيش المصري وعين في وزارة الداخلية. وفي عام 1896 م أرسل إلى السودان مع الحملة المصرية إلى أن الحياة لم تطب له هنالك، فثار مع بعض الضباط. نتيجة لذلك، أحيل حافظ على الاستيداع بمرتب ضئيل.
شخصيته
كان حافظ إبراهيم إحدى أعاجيب زمانه، ليس فقط في جزالة شعره بل في قوة ذاكرته التى قاومت السنين ولم يصيبها الوهن والضعف على مر 60 سنة هى عمر حافظ إبراهيم، فإنها ولا عجب إتسعت لآلاف الآلاف من القصائد العربية القديمة والحديثة ومئات المطالعات والكتب وكان بإستطاعته – بشهادة أصدقائه – أن يقرأ كتاب أو ديوان شعر كامل في عده دقائق وبقراءة سريعة ثم بعد ذلك يتمثل ببعض فقرات هذا الكتاب أو أبيات ذاك الديوان. وروى عنه بعض أصدقائه أنه كان يسمع قارئ القرآن في بيت خاله يقرأ سورة الكهف أو مريم او طه فيحفظ ما يقوله ويؤديه كما سمعه بالروايه التى سمع القارئ يقرأ بها.
يعتبر شعره سجل الأحداث، إنما يسجلها بدماء قلبه وأجزاء روحه ويصوغ منها أدبا قيما يحث النفوس ويدفعها إلى النهضة، سواء أضحك في شعره أم بكى وأمل أم يئس، فقد كان يتربص كل حادث هام يعرض فيخلق منه موضوعا لشعره ويملؤه بما يجيش في صدره.
وللأسف, مع تلك الهبة الرائعة التى قلما يهبها الله – عز وجل – لإنسان ، فأن حافظ رحمه الله أصابه - ومن فترة امتدت من 1911 إلى 1932 – داء اللامباله والكسل وعدم العناية بتنميه مخزونه الفكرى وبالرغم من إنه كان رئيساً للقسم الأدبى بدار الكتب إلا أنه لم يقرأ في هذه الفترة كتاباً واحداً من آلاف الكتب التى تذخر بها دار المعارف! الذى كان الوصول إليها يسير بالنسبه لحافظ، ولا أدرى حقيقة سبب ذلك ولكن إحدى الآراء تقول ان هذه الكتب المترامية الأطراف القت في سأم حافظ الملل! ومنهم من قال بأن نظر حافظ بدا بالذبول خلال فترة رئاسته لدار الكتب وخاف من المصير الذى لحق بالبارودى في أواخر أيامه.
كان حافظ إبراهيم رجل مرح وأبن نكتة وسريع البديهة يملأ المجلس ببشاشته و فكاهاته الطريفة التى لا تخطأ مرماها.
وأيضاً تروى عن حافظ أبراهيم مواقف غريبة مثل تبذيره الشديد للمال فكما قال العقاد ( مرتب سنة في يد حافظ إبراهيم يساوى مرتب شهر ) ومما يروى عن غرائب تبذيره أنه استأجر قطار كامل ليوصله بمفرده إلى حلوان حيث يسكن وذلك بعد مواعيد العمل الرسمية.
مثلما يختلف الشعراء في طريقة توصيل الفكرة أو الموضوع إلى المستمعين أو القراء، كان لحافظ إبراهيم طريقته الخاصة فهو لم يكن يتمتع بقدر كبير من الخيال ولكنه أستعاض عن ذلك بجزالة الجمل وتراكيب الكلمات وحسن الصياغة بالأضافة أن الجميع اتفقوا على انه كان أحسن خلق الله إنشاداً للشعر. ومن أروع المناسبات التى أنشد حافظ بك فيها شعره بكفاءة هى حفلة تكريم أحمد شوقى ومبايعته أميراً للشعر في دار الأوبرا، وأيضاً القصيدة التى أنشدها ونظمها في الذكرى السنوية لرحيل مصطفى كامل التى خلبت الألباب وساعدها على ذلك الأداء المسرحى الذى قام به حافظ للتأثير في بعض الأبيات، ومما يبرهن ذلك ذلك المقال الذى نشرته إحدى الجرائد والذى تناول بكامله فن إنشاد الشعر عند حافظ. ومن الجدير بالذكر أن أحمد شوقى لم يلقى في حياته قصيدة على ملأ من الناس حيث كان الموقف يرهبه فيتلعثم عند الإلقاء.
أقوال عن حافظ إبراهيم
حافظ كما يقول عنه مطران خليل مطران "أشبه بالوعاء يتلقى الوحى من شعور الأمة وأحاسيسها ومؤثراتها في نفسه, فيمتزج ذلك كله بشعوره و إحساسه، فيأتى منه القول المؤثر المتدفق بالشعور الذى يحس كل مواطن أنه صدى لما في نفسه". ويقول عنه أيضاً "حافظ المحفوظ من أفصح أساليب العرب ينسج على منوالها ويتذوق نفائس مفرادتها وإعلاق حلالها." وأيضاً "يقع إليه ديوان فيتصفحه كله وحينما يظفر بجيده يستظهره، وكانت محفوظاته تعد بالألوف وكانت لا تزال ماثلة في ذهنه على كبر السن وطول العهد، بحيث لا يمترى إنسان في ان هذا الرجل كان من أعاجيب الزمان".
وقال عنه العقاد "مفطوراً بطبعه على إيثار الجزالة و الإعجاب بالصياغة والفحولة في العبارة."
كان أحمد شوقى يعتز بصداقه حافظ إبراهيم ويفضله على أصدقائه. و كان حافظ إبراهيم يرافقه في عديد من رحلاته وكان لشوقى أيادى بيضاء على حافظ فساهم في منحه لقب بك و حاول ان يوظفه في جريدة الأهرام ولكن فشلت هذه المحاولة لميول صاحب الأهرام - وكان حينذاك من لبنان - نحو الإنجليز وخشيته من المبعوث البريطانى اللورد كرومر.
من أشعاره
سافر حافظ إبراهيم إلى سوريا، وعند زيارته للمجمع العلمي بدمشق قال هذين البيتين:
شكرت جميل صنعكم بدمعي ودمع العين مقياس الشعور
لاول مرة قد ذاق جفني - على ما ذاقه - دمع السرور
لاحظ الشاعر مدى ظلم المستعمر وتصرفه بخيرات بلاده فنظم قصيدة بعنوان الامتيازات الأجنبية، ومما جاء فيها:
سكتُّ فأصغروا أدبي وقلت فاكبروا أربي
يقتلنا بلا قود ولا دية ولا رهب
ويمشي نحو رايته فنحميه من العطب
فقل للفاخرين: أما لهذا الفخر من سبب؟
أروني بينكم رجلا ركينا واضح الحسب
أروني نصف مخترع أروني ربع محتسب؟
أروني ناديا حفلا بأهل الفضل والأدب؟
وماذا في مدارسكم من التعليم والكتب؟
وماذا في مساجدكم من التبيان والخطب؟
وماذا في صحائفكم سوى التمويه والكذب؟
حصائد ألسن جرّت إلى الويلات والحرب
فهبوا من مراقدكم فإن الوقت من ذهب
وله قصيدة عن لسان صديقه يرثي ولده، وقد جاء في مطلع قصيدته:
ولدي، قد طال سهدي ونحيبي جئت أدعوك فهل أنت مجيبي؟
جئت أروي بدموعي مضجعا فيه أودعت من الدنيا نصيبي
ويجيش حافظ إذ يحسب عهد الجاهلية أرفق حيث استخدم العلم للشر، وهنا يصور موقفه كإنسان بهذين البيتين ويقول:
ولقد حسبت العلم فينا نعمة تأسو الضعيف ورحمة تتدفق
فإذا بنعمته بلاء مرهق وإذا برحمته قضاء مطبق
ومن شعره أيضاً:
كم مر بي فيك عيش لست أذكره ومر بي فيك عيش لست أنساه
ودعت فيك بقايا ما علقت به من الشباب وما ودعت ذكراه
أهفو إليه على ما أقرحت كبدي من التباريج أولاه وأخراه
لبسته ودموع العين طيعة والنفس جياشة والقلب أواه
فكان عوني على وجد أكابده ومر عيش على العلات ألقاه
إن خان ودي صديق كنت أصحبه أو خان عهدي حبيب كنت أهواه
قد أرخص الدمع ينبوع الغناء به وا لهفتي ونضوب الشيب أغلاه
كم روح الدمع عن قلبي وكم غسلت منه السوابق حزنا في حناياه
قالوا تحررت من قيد الملاح فعش حرا ففي الأسر ذلّ كنت تأباه
فقلت يا ليته دامت صرامته ما كان أرفقه عندي وأحناه
بدلت منه بقيد لست أفلته وكيف أفلت قيدا صاغه الله
أسرى الصبابة أحياء وإن جهدوا أما المشيب ففي الأموات أسراه
وقال:
والمال إن لم تدخره محصنا بالعلم كان نهاية الإملاق
والعلم إن لم تكتنفه شمائل تعليه كان مطية الإخفاق
لا تحسبن العلم ينفع وحده ما لم يتوج ربه بخلاق
من لي بتربية النساء فإنها في الشرق علة ذلك الإخفاق
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
الأم روض إن تعهده الحيا بالسري أورق أيما إيراق
اللأم أستاذ الأساتذة الألى شغلت مآثرهم مدى الآفاق
أنا لا أقول دعوا النساء سوافرا بين الرجال يجلن في الأسواق
يدرجن حيث أرَدن لا من وازع يحذرن رقبته ولا من واقي
يفعلن أفعال الرجال لواهيا عن واجبات نواعس الأحداق
في دورهن شؤونهن كثيرة كشؤون رب السيف والمزراق
تتشكّل الأزمان في أدوارها دولا وهن على الجمود بواقي
فتوسطوا في الحالتيسن وأنصفوا فالشر في التّقييد والإطلاق
ربوا البنات على الفضيلة إنها في الموقفين لهن خير وثاق
وعليكم أن تستبين بناتكم نور الهدى وعلى الحياء الباقي
وفاته
توفي حافظ إبراهيم سنة 1932 م في الساعة الخامسة من صباح يوم الخميس، وكان قد أستدعى 2 من أصحابه لتناول العشاء ولم يشاركهما لمرض أحس به. وبعد مغادرتهما شعر بوطئ المرض فنادى غلامه الذى أسرع لإستدعاء الطبيب وعندما عاد كان حافظ في النزع الاخير، توفى رحمه الله ودفن في مقابر السيدة نفيسة (رضي الله عنها).
وعندما توفى حافظ كان أحمد شوقى يصطاف في الإسكندرية و بعدما بلّغه سكرتيره – أى سكرتير شوقى - بنبأ وفاة حافظ بعد ثلاث أيام لرغبة سكرتيره في إبعاد الأخبار السيئة عن شوقي ولعلمه بمدى قرب مكانة حافظ منه، شرد شوقي لحظات ثم رفع رأسه وقال أول بيت من مرثيته لحافظ:
قد كنت أوثر أن تقول رثائي يا منصف الموتى من الأحياء
منقول
على مجاهد- مشرف منتدى الاخبار والسياسة
-
عدد الرسائل : 1184
رقم العضويه : 17
المهنه :
رقمى المفضل : 0
تاريخ التسجيل : 19/01/2008
الاوسمة
:
الاضافات:
رد: اعرف رواد حركة التنوير أدباء وشعراء
شكرا على هذا الكلام الرئع
الورده الحمرا- مرجاوى جديد
-
عدد الرسائل : 86
العمر : 31
العمل : طالبه
البلد : ميت مرجا
مزاجى :
الهوايه :
المهنه :
رقمى المفضل : 5
تاريخ التسجيل : 17/03/2008
رد: اعرف رواد حركة التنوير أدباء وشعراء
مشكور على كل اهتماماتك
الورده الحمرا- مرجاوى جديد
-
عدد الرسائل : 86
العمر : 31
العمل : طالبه
البلد : ميت مرجا
مزاجى :
الهوايه :
المهنه :
رقمى المفضل : 5
تاريخ التسجيل : 17/03/2008
رد: اعرف رواد حركة التنوير أدباء وشعراء
تغيبت كثيرا عنا بمواضيع هذه
اتمنى ان لاتحرمنا منها استاذى
تحياتى لك
واتمنى المزيد تحياتى
القلب المقفود
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
اتمنى ان لاتحرمنا منها استاذى
تحياتى لك
واتمنى المزيد تحياتى
القلب المقفود
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
القلب المفقود- مرجاوى مبدع
-
عدد الرسائل : 476
العمر : 35
مزاجى :
الهوايه :
المهنه :
رقمى المفضل : 0
تاريخ التسجيل : 02/03/2008
مواضيع مماثلة
» حركة لمنع سرقة الجوال
» ليتنى اعرف من انت؟
» شخصية المرأة الاسلامية ودورها الفعال فى حركة الحياة
» إقرأ : لشاهرنورالدين - جمال مبارك والدعوة إلى حركة تطهير من الفساد
» اعرف نبيك ........................
» ليتنى اعرف من انت؟
» شخصية المرأة الاسلامية ودورها الفعال فى حركة الحياة
» إقرأ : لشاهرنورالدين - جمال مبارك والدعوة إلى حركة تطهير من الفساد
» اعرف نبيك ........................
الموقع الرسمى لمدينة ميت مرجا سلسيل :: ҉ ][ابداعات شباب وفتيات ميت مرجا سلسيل ][ ҉ :: منتدى الشعر والخواطر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى