حقوق الإنسان فى التعليم
الموقع الرسمى لمدينة ميت مرجا سلسيل :: ҉ ][مجمع رياض الاطفال ومعاهد ومدارس مبت مرجا سلسيل ][ ҉ :: منتدى الطلاب الجامعيين
صفحة 1 من اصل 1
حقوق الإنسان فى التعليم
ما هي حقوق الإنسان؟
يمكن تعريف حقوق الإنسان بأنها المعايير الأساسية التي لا يمكن للناس، من دونها، أن يعيشوا بكرامة كبشر. إن حقوق الإنسان هي أساس الحرية والعدالة والسلام، وإن من شأن احترام حقوق الإنسان أن يتيح إمكان تنمية الفرد والمجتمع تنمية كاملة.
وتمتد جذور تنمية حقوق الإنسان في الصراع من أجل الحرية والمساواة في كل مكان من العالم. ويوجد الأساس الذي تقوم عليه حقوق الإنسان، مثل احترام حياة الإنسان وكرامته، في أغلبية الديانات والفلسفات.
وترد حقوق الإنسان في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتحدد بعض الصكوك الدولية، كالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ما ينبغي على الحكومات أن تفعله، وألا تفعله، لاحترام حقوق مواطنيها.
خصائص حقوق الإنسان :
حقوق الإنسان لا تُشترى ولا تُكتسب ولا تورث، فهي ببساطة ملك الناس لأنهم بشر .. فحقوق الإنسان "متأصلة" في كل فرد.
حقوق الإنسان واحدة لجميع البشر بغض النظر عن العنصر أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي. وقد وُلدنا جميعاً أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق .. فحقوق الإنسان "عالمية".
حقوق الإنسان لا يمكن انتزاعها؛ فليس من حق أحد أن يحرم شخصاً آخر من حقوق الإنسان حتى لو لم تعترف بها قوانين بلده، أو عندما تنتهكها تلك القوانين .. فحقوق الإنسان ثابتة "وغير قابلة للتصرف".
كي يعيش جميع الناس بكرامة، فإنه يحق لهم أن يتمتعوا بالحرية والأمن، وبمستويات معيشة لائقة .. فحقوق الإنسان "غير قابلة للتجزؤ".
فئات الحقوق:
يمكن تصنيف الحقوق إلى ثلاث فئات:
1.__الحقوق المدنية والسياسية (وتسمى أيضاً "الجيل الأول من الحقوق")، وهي مرتبطة بالحريات، وتشمل الحقوق التالية: الحق في الحياة والحرية والأمن؛ وعدم التعرض للتعذيب والتحرر من العبودية؛ المشاركة السياسية وحرية الرأي والتعبير والتفكير والضمير والدين؛ وحرية الاشتراك في الجمعيات والتجمع.
2.الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (وتسمى أيضاً "الجيل الثاني من الحقوق")، وهي مرتبطة بالأمن وتشمل: العمل والتعليم والمستوى اللائق للمعيشة؛ والمأكل والمأوى والرعاية الصحية.
3.الحقوق البيئية والثقافية والتنموية (وتسمى أيضاً "الجيل الثالث من الحقوق")، وتشمل حق العيش في بيئة نظيفة ومصونة من التدمير؛ والحق في التنمية الثقافية والسياسية والاقتصادية.
وعندما نقول إن لكل شخص حقوقاً إنسانية، فإننا نقول، كذلك، إن على كل شخص مسؤوليات نحو احترام الحقوق الإنسانية للآخرين.
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو بيان حقوق الإنسان المقبول على أوسع نطاق في العالم. والرسالة الأساسية لذلك الإعلان هي أن لكل إنسان قيمة متأصلة. وقد اعتمدته الأمم المتحدة بالإجماع، في 10 ديسمبر/ كانون الأول 1948 (على الرغم من امتناع ثماني دول عن التصويت). ويحدد الإعلان الحقوق الأساسية لكل شخص في العالم بغضِّ النظر عن عنصره أو لونه أو جنسه أو دينه أو رأيه السياسي، أو أي رأي آخر، أو أصله الوطني أو الاجتماعي، أو ثروته أو مولده، أو أي وضع آخر. وينص الإعلان على أن تتعهد الحكومات بتأييد حقوق معينة، ليس فقط بالنسبة لمواطنيها، بل أيضاً بالنسبة لأشخاص في بلدان أخرى. وبعبارة أخرى، فإن الحدود الوطنية لا تمثِّل عائقاً أمام مساعدة الآخرين على التمتع بحقوقهم. ومنذ العام 1948، أصبح الإعلان العالمي هو المعيار الدولي لحقوق الإنسان. وفي العام 1993، عُقد مؤتمر عالمي ضم 171 دولة تمثل 99% من سكان العالم، وأكد المؤتمر التزامه من جديد بإحقاق حقوق الإنسان.
الوضع القانوني:
على الرغم من أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو الذي أوحى بالجزء الأكبر من القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإنه لا يمثل في حد ذاته وثيقة لها قوة القانون. غير أن لهذا الإعلان، بصفته إعلان مبادئ عامة، قوة كبيرة في أوساط الرأي العام العالمي. وقد تُرجمت مبادئ الإعلان إلى مبادئ لها قوة قانونية في صيغة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد التزمت الحكومات التي صادقت على هذين العهدين بأن تسنَّ في بلدانها قوانين لحماية تلك الحقوق. غير أن ما يزيد على نصف بلدان العالم لم تصادق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أو على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وهناك، أيضاً، صكوك إقليمية لحقوق الإنسان، وهي صكوك أوصى بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، منها الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، وهناك الكثير من المدونات القانونية الوطنية التي تكفل حقوق الإنسان.
نحو فلسفة جديدة للتعليم فى العالم العربى:
تولى منظمات حقوق الانسان فى العالم العربى الحق فى التعليم قدرأ من الاهتمام. ولكن هذا الاهتمام ينصرف الى معنى ضيق للغاية يشمل صد الهجوم على مبدأ مجانية التعليم بكل مستوياته أو على الأقل فى المرحلة الالزامية, والعمل على اشباع الحق فى التعليم من الأصل بهدف ضمان وصول هذا الحق الى مستحقيه. ولكن هذه المنظمات لم تهتم على الاطلاق تقريبا بفلسفة التعليم بما يتجاوز نقد طبيعته الطبقية. كما أضيفت فى السنوات القليلة الأخيرة شىء من النقد للمقررات التعليمية التى يشجع بعضها على عدم التسامح. وتطالب منظمات حقوق الانسان بنشر تعليم هذه الحقوق والوثائق الدولية ذات الصلة فى المستويات التعليمية المختلفة.
لقد عبرت لرفاق النضال الحقوقى عن قلقى من التركيز على تعليم حقوق الانسان فى النظام المدرسى لادراكى أن الطلاب يكنون قدرا كبيرا من الكراهية لهذا النظام, الذى تحول بذاته الى نظام قهرى. وخشيت أن يؤدى اضافة مقررات جديدة تنهض بمهمة تعليم حقوق الانسان فى النظم المدرسية العربية الى نتيجة عكسية. وكنت أشير الى شعورنا نحن بوطأة هذه النتائج السلبية عندما أو حيثما كانت هناك مقررات تعنى بما كان يسمى فى مصر فى عقدى الخمسينات والستينات ب"التربية الوطنية", أو "الاشتراكية" أو "الثورة" وغيرها من المقررات المشابهة التى كانت تقوم على غرس معتقدات سياسية بعينها.
وأرغب فى انتهاز فرصة هذه الافتتاحية للتوسع فى شرح أسباب تحفظى على حشر مقررات تقوم على "تعليم حقوق الانسان" فى النظم المدرسية العربية. ذلك أن هذه النظم ليست مؤهلة لغرس قيم أخلاقية وانسانية سامية, وهو ما يعود الى أسباب بعضها يخص العالم العربى وبعضها الاخر يخص المرجعية الأساسية للنظم المدرسية وهى المرجعية الغربية الحديثة. ان القضية الأساسية التى تحتاج الى مناقشة مستفيضة هى الفلسفة التعليمية ذاتها, ومن ثم اثارة المقصود بالتعليم من حيث الأصل.
أولا: الفسلفة التعليمية:
يقع نشر التعليم ضمن أهم مسئوليات الدولة المعاصرة. كما أنه يحظى باهتمام كبير من جانب عدد هائل من المنظمات الدولية. ومع ذلك فهناك نقد متزايد للأداء العربى فى هذا المجال الحيوى.
ويتم نقد الأداء فى العالم العربى على مرجعية التعليم فى البلاد المتقدمة, وهو ما يمثل خطأ كبيرا. فالواقع أن التعليم الغربى المتقدم ذاته غارق فى مشكلات أساسية لم يتم حلها بل ولا ينتبه لها غير أقلية من فلاسفة التعليم لأن الغالبية أسست نظرتها للتعليم على قاعدة القبول بالأمر الواقع وبصفة أخص فيما يتعلق بفلسفة التعليم ودوره. وبذلك صار النموذج الملهم للتعليم فى العالم العربى هو ذلك الذى يساعد على الوصول الى التقدم بمؤشراته ومعناه فى العالم الغربى والدول المتقدمة عموما. ولا شك أن هذا المستوى من المعالجة ضرورى بل وملح اذا كان المقصود منه هو الوصول الى المؤشرات الكمية المعروفة والتى تذخر بها أدبيات المنظمات الدولية مثل معدلات الالتحاق بالمدارس ونسب المدرسين الى الطلاب ومتوسط الوقت الذى يقضيه الطلاب فى المدارس ومدى تقدم المقررات التعليمية ومدى الاهتمام بالأنشطة غير التقليدية مثل الرياضة والفنون والاداب والرحلات والمناقشات الحرة. كما تشكل تلك المؤشرات قضايا نوعية مثل مدى الاهتمام بالقدرة على التفكير والتعبير بالمقارنة بالحفظ والتلقين, ومدى توفر الأبنية والتسهيلات التعليمية ومن ثم الموازنات التى يحتاجها هذا القطاع للوصول الى المعدلات الكمية المقبولة عالميا. وتتفق الشكاوى من الأداء فى النظام التعليمى فى العالم العربى من وجهة النظر هذه على طائفة من القضايا النوعية: فالتعليم العربى الرسمى على الأقل يقوم على التلقين وهو ما يؤدى الى تشكيل عقل أصم يعتبر عقله مخزنا للمعلومات وليس طاقة رائعة للتفكير, واستخدام أساليب تسلطية فى المدرسة تقوم على النهى والزجر وأحيانا الضرب. وفى نفس الوقت نجد فلسفة شعبوية فى التعليم وتقدير أداء الطلاب يهتم برشوة الشعب بتحديد معدلات للنجاح فى الشهادات العامة أعلى بكثير من مستويات الأداء الحقيقة للطلاب. وفى البلاد العربية الفقيرة يعانى النظام المدرسى من مشكلات شتى تشمل بؤس الأبنية وقصر الوقت المتاح وتدنى مستويات المدرسين والحشو المبالغ فيه فى المقررات التعليمية, وضالة الصلة بين التعليم وحاجات ومهارات العمل المتاح. وقد انقسم النظام المدرسى الى أطر طبقية حيث يتمتع الطلاب المنتمين للطبقات الغنية بمستويات كمية مقبولة بينما يعانى التعليم الحكومى من فقر شديد فى كافة المؤشرات المعروفة. ويعيد النظام المدرسى انتاج البنية الطبقية القائمة وقد يساعد على تدهورها من حيث عدم تكافؤ الفرص والتركيز المتزايد للثروة. أما فى البلاد العربية الغنية فثمة طائفة أخرى من المشاكل بما فيها التسيب فى تقويم الأداء الطلابى فى الشهادات العامة, وعدم المساواة بين الطبقات والمناطق والاهتمام بالكم على حساب النوع, واستمرار عزل الجنسين فى المدارس والجامعات. وقد أضيف لكل ذلك الشكوى الأمريكية والعالمية من المقررات التعليمية الحافلة بصور عدم التسامح والقسوة والعنف فضلا عن تفضيل الشكل على المضمون.
وسوف نتناول بعض هذه المشكلات الخاصة بالمستوى العربى تحديدا فى المستقبل. أما الان فما نريد أن نتقوم به هو التأكيد على الحاجة الى رفض النموذج المرجعى للتعليم والذى يتمثل فى التعليم الغربى الحديث أو ما يعتقد أنه كذلك. وعلينا منذ البداية أن نفرق بين التعليم والنظام المدرسى. فالأخير لا يضمن فى الحقيقة تعليما بل قد يؤدى الى "تجهيل" بل أن الكيفية التى تتم بها "العملية التعليمية" قد تشتمل بذاتها على تجهيل من الناحيتين الأخلاقية والعلمية.
لقد ارتبط التعليم ارتباطا قويا للغاية بانتاج المجتمع القومى الرأسمالى والاستهلاكى الحديث بكل ما يشتمل عليه من تعصب. فالارتباط بين السجل التعليمى وحسن الخلق أو لطف المعشر أو الميل للتعاون أو الرغبة فى مساعدة الاخرين أو الحب الحقيقى للمجتمع وتقديره أو الشعور بالمسئوليات الأخلاقية عموما ضعيف. ولم يساعد التعليم فى شىء على تحسين البيئة الدولية ووضع حد للحروب المدمرة والظلم الاجتماعى أو حتى ثقافة الكراهية والعنف. وربما يكون الافتقار الى هذا الرباط الجوهرى هو العلة وراء اتساع الفجوة بين التقدم التكنولوجى والعلمى المذهل من ناحية والتقدم الأخلاقى المحدود للغاية الذى أحرزته البشرية حتى الان.
وبينما كان رؤساء القبائل التقليديين يمارسون فى الماضى كل من الحرب والتعاون البناء مع غيرهم فان القادة المحدثين للحروب والحركات العرقية والاثنية والدينية والذين حصل أغلبهم على مستوى مرتفع للغاية من التعليم الحديث يميلون أكثر كثيرا نحو العنف والحرب وأقل كثيرا نحو تأسيس روابط انسانية أعمق وأوسع مع غيرهم وخاصة من يعتبرونهم خصوما أو أعداء لهوياتهم المتضخمة على حساب الرابطة الجامعة بين البشر. ويمتلك هؤلاء مهارات أقل فى نشر المحبة عن أسلافهم الذين توقف تعليمهم على استيعاب الحكمة التقليدية الموروثة.
ولم يعد من النادر أن نرى علماء أو مهنيين مبدعين وعلى قدر مرتفع للغاية من التعليم والمعرفة ينشرون الكراهية ويشعرون بالحقد يغلى فى صدورهم, ولا يتورعون عن قيادة عمليات الارهاب الفردى أو ارهاب الدولة ويرسلون جيوشها عبر الاف الأميال لشن حروب تسبب دمارا كبيرا وتترك الالاف أو الملايين قتلى وجرحى ومعاقين كما تترك بلادا بكاملها وقد عمها الخراب وحرم أهلها من أبسط الخدمات والحقوق الانسانية. ان الذين يقومون بالتعذيب والمعاملة المهينة لمواطنيهم أو يأمرون به هم قادة كبار فى أجهزة الشرطة المحلية فى عشرات من دول العالم حصلوا على قدر لا بأس به من التعليم وتتاح لهم أفقضل الفرص للتدريب والثقافة. زالذين لا يتورعون عن الحصول على الرشاوى والقيام بعمليات فساد مضرة للاقتصاد الوطنى والعالمى ويحرمون بذلك أخوانهم فى الوطن وفى العالم الخارجى من الفرص الدنيا لتلقى التعليم المناسب أو الحصول على ماء الشرب النظيفة أو مجرد التمتع بالحد الأدنى من الخدمات الصحية والوقائية أو مجرد الغذاء الضرورى للحياة هم أيضا فى العادة ممن تلقوا تعليما عاليا.
ويمكننا أن نمضى فى رصد الأمراض الخطيرة التى تفتك بالأخلاق العامة وتسبب أشد الأضرار بالبشر وننسبها لأفراد حصلوا على مستويات عالية من التعليم.
وبينما لا يمكننا أن نعزو هذه الأمراض كلها للتعليم بذاته لا يمكن أيضا تجنب الاستنتاج بأن التعليم لم يوفر قاعدة مرضية للتطور الأخلاقى. كما أن هذه الحقائق تنبهنا الى أن التعليم المعاصر صار منفك الصلة بالتربية الأخلاقية والانسانية. بل يمكننا أن نذهب الى ما هو ابعد لنقول أن التعليم ربما يكون أحد العوامل التى تحفز الأشخاص على الشعور بالتفوق.
وتصوغ بعض الفلسفات تطلعات مريضة للوصول الى حالة "سوبرمانية" من جانب أشخاص يشعرون بأنهم عباقرة ويسكنون فى سماوات تطل على بقية اتلبشر من أعلى دون أن يكون لديهم الايمان بالمسئولية الأخلاقية أمام البشرية على أية مستوى, بل تنصرف تطلعاتهم هذه الى البحث فى مختلف الطرق والسياسات التى تضمن لهم دفع الأشياء لمصلحتهم الأنانية بما فى ذلك السيطرة على الاخرين واخضاعهم لمعاملة متدنية حيث تحتقر الحقوق الاساسية وتنتهك ابسط القيم السامية التى عدها الناس عبر التاريخ أثمن ما أنتجته التجربة الاجتماعية والحضارة ذاتها.
ثانيا: مشكلات التعليم الحديث
وكما قلنا فان التعليم قد لا يكون المسئول الأول أو الوحيد عن تلك التشوهات المخيفة للشخصية الانسانية التى ترتبط بالحروب ومختلف ضروب القسوة والفساد والكراهية فضلا عن تسخير العلم ذاته فيما لا يجلب سوى التعاسة., ولكن التعليم يظل مسئولا عن الفشل فى الحيلولة دون بروز هذه التشوهات على النحو الذى نشهدة فى اللوجة السياسية والاجتماعية العالمية. كما أنه يظل مسئولا بين عوامل وقوى أخرى كامنة فى صميم المجتمع عن انفكاك الصلة بين المعرفة والأخلاق الرفيعة فضلا عن الشعور بالمسئولية الاجتماعية.
ويجب أن نبحث بصورة ميدانية لماذا يفشل التعليم فى انتاج الشعور بالمسئولية الأخلاقية وعن جعل المعرفة صنوا للرقى الانسانى بكل أبعادة. فالتعليم ليس شيئا متجانسا فى جميع المجتمعات أو حتى فى المجتمع الواحد. بل وقد لا يكون للمصطلح نفس المعانى والدلالات المبثوثة فيه عبر الثقافات والمجتمعات والدول. ولذلك يتعين علينا أن نرصد تلك المسئولية بصورة ميدانية وفى السياقات الوطنية والقومية والثقافية والجغرافية وأن نقوم ببحوث تفصيلية عن تلك الارتباطات المشكوك فيها بين التعليم والرقى الأخلاقى والمعرفى.
يمكن تعريف حقوق الإنسان بأنها المعايير الأساسية التي لا يمكن للناس، من دونها، أن يعيشوا بكرامة كبشر. إن حقوق الإنسان هي أساس الحرية والعدالة والسلام، وإن من شأن احترام حقوق الإنسان أن يتيح إمكان تنمية الفرد والمجتمع تنمية كاملة.
وتمتد جذور تنمية حقوق الإنسان في الصراع من أجل الحرية والمساواة في كل مكان من العالم. ويوجد الأساس الذي تقوم عليه حقوق الإنسان، مثل احترام حياة الإنسان وكرامته، في أغلبية الديانات والفلسفات.
وترد حقوق الإنسان في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتحدد بعض الصكوك الدولية، كالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ما ينبغي على الحكومات أن تفعله، وألا تفعله، لاحترام حقوق مواطنيها.
خصائص حقوق الإنسان :
حقوق الإنسان لا تُشترى ولا تُكتسب ولا تورث، فهي ببساطة ملك الناس لأنهم بشر .. فحقوق الإنسان "متأصلة" في كل فرد.
حقوق الإنسان واحدة لجميع البشر بغض النظر عن العنصر أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي. وقد وُلدنا جميعاً أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق .. فحقوق الإنسان "عالمية".
حقوق الإنسان لا يمكن انتزاعها؛ فليس من حق أحد أن يحرم شخصاً آخر من حقوق الإنسان حتى لو لم تعترف بها قوانين بلده، أو عندما تنتهكها تلك القوانين .. فحقوق الإنسان ثابتة "وغير قابلة للتصرف".
كي يعيش جميع الناس بكرامة، فإنه يحق لهم أن يتمتعوا بالحرية والأمن، وبمستويات معيشة لائقة .. فحقوق الإنسان "غير قابلة للتجزؤ".
فئات الحقوق:
يمكن تصنيف الحقوق إلى ثلاث فئات:
1.__الحقوق المدنية والسياسية (وتسمى أيضاً "الجيل الأول من الحقوق")، وهي مرتبطة بالحريات، وتشمل الحقوق التالية: الحق في الحياة والحرية والأمن؛ وعدم التعرض للتعذيب والتحرر من العبودية؛ المشاركة السياسية وحرية الرأي والتعبير والتفكير والضمير والدين؛ وحرية الاشتراك في الجمعيات والتجمع.
2.الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (وتسمى أيضاً "الجيل الثاني من الحقوق")، وهي مرتبطة بالأمن وتشمل: العمل والتعليم والمستوى اللائق للمعيشة؛ والمأكل والمأوى والرعاية الصحية.
3.الحقوق البيئية والثقافية والتنموية (وتسمى أيضاً "الجيل الثالث من الحقوق")، وتشمل حق العيش في بيئة نظيفة ومصونة من التدمير؛ والحق في التنمية الثقافية والسياسية والاقتصادية.
وعندما نقول إن لكل شخص حقوقاً إنسانية، فإننا نقول، كذلك، إن على كل شخص مسؤوليات نحو احترام الحقوق الإنسانية للآخرين.
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو بيان حقوق الإنسان المقبول على أوسع نطاق في العالم. والرسالة الأساسية لذلك الإعلان هي أن لكل إنسان قيمة متأصلة. وقد اعتمدته الأمم المتحدة بالإجماع، في 10 ديسمبر/ كانون الأول 1948 (على الرغم من امتناع ثماني دول عن التصويت). ويحدد الإعلان الحقوق الأساسية لكل شخص في العالم بغضِّ النظر عن عنصره أو لونه أو جنسه أو دينه أو رأيه السياسي، أو أي رأي آخر، أو أصله الوطني أو الاجتماعي، أو ثروته أو مولده، أو أي وضع آخر. وينص الإعلان على أن تتعهد الحكومات بتأييد حقوق معينة، ليس فقط بالنسبة لمواطنيها، بل أيضاً بالنسبة لأشخاص في بلدان أخرى. وبعبارة أخرى، فإن الحدود الوطنية لا تمثِّل عائقاً أمام مساعدة الآخرين على التمتع بحقوقهم. ومنذ العام 1948، أصبح الإعلان العالمي هو المعيار الدولي لحقوق الإنسان. وفي العام 1993، عُقد مؤتمر عالمي ضم 171 دولة تمثل 99% من سكان العالم، وأكد المؤتمر التزامه من جديد بإحقاق حقوق الإنسان.
الوضع القانوني:
على الرغم من أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو الذي أوحى بالجزء الأكبر من القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإنه لا يمثل في حد ذاته وثيقة لها قوة القانون. غير أن لهذا الإعلان، بصفته إعلان مبادئ عامة، قوة كبيرة في أوساط الرأي العام العالمي. وقد تُرجمت مبادئ الإعلان إلى مبادئ لها قوة قانونية في صيغة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد التزمت الحكومات التي صادقت على هذين العهدين بأن تسنَّ في بلدانها قوانين لحماية تلك الحقوق. غير أن ما يزيد على نصف بلدان العالم لم تصادق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أو على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وهناك، أيضاً، صكوك إقليمية لحقوق الإنسان، وهي صكوك أوصى بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، منها الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، وهناك الكثير من المدونات القانونية الوطنية التي تكفل حقوق الإنسان.
نحو فلسفة جديدة للتعليم فى العالم العربى:
تولى منظمات حقوق الانسان فى العالم العربى الحق فى التعليم قدرأ من الاهتمام. ولكن هذا الاهتمام ينصرف الى معنى ضيق للغاية يشمل صد الهجوم على مبدأ مجانية التعليم بكل مستوياته أو على الأقل فى المرحلة الالزامية, والعمل على اشباع الحق فى التعليم من الأصل بهدف ضمان وصول هذا الحق الى مستحقيه. ولكن هذه المنظمات لم تهتم على الاطلاق تقريبا بفلسفة التعليم بما يتجاوز نقد طبيعته الطبقية. كما أضيفت فى السنوات القليلة الأخيرة شىء من النقد للمقررات التعليمية التى يشجع بعضها على عدم التسامح. وتطالب منظمات حقوق الانسان بنشر تعليم هذه الحقوق والوثائق الدولية ذات الصلة فى المستويات التعليمية المختلفة.
لقد عبرت لرفاق النضال الحقوقى عن قلقى من التركيز على تعليم حقوق الانسان فى النظام المدرسى لادراكى أن الطلاب يكنون قدرا كبيرا من الكراهية لهذا النظام, الذى تحول بذاته الى نظام قهرى. وخشيت أن يؤدى اضافة مقررات جديدة تنهض بمهمة تعليم حقوق الانسان فى النظم المدرسية العربية الى نتيجة عكسية. وكنت أشير الى شعورنا نحن بوطأة هذه النتائج السلبية عندما أو حيثما كانت هناك مقررات تعنى بما كان يسمى فى مصر فى عقدى الخمسينات والستينات ب"التربية الوطنية", أو "الاشتراكية" أو "الثورة" وغيرها من المقررات المشابهة التى كانت تقوم على غرس معتقدات سياسية بعينها.
وأرغب فى انتهاز فرصة هذه الافتتاحية للتوسع فى شرح أسباب تحفظى على حشر مقررات تقوم على "تعليم حقوق الانسان" فى النظم المدرسية العربية. ذلك أن هذه النظم ليست مؤهلة لغرس قيم أخلاقية وانسانية سامية, وهو ما يعود الى أسباب بعضها يخص العالم العربى وبعضها الاخر يخص المرجعية الأساسية للنظم المدرسية وهى المرجعية الغربية الحديثة. ان القضية الأساسية التى تحتاج الى مناقشة مستفيضة هى الفلسفة التعليمية ذاتها, ومن ثم اثارة المقصود بالتعليم من حيث الأصل.
أولا: الفسلفة التعليمية:
يقع نشر التعليم ضمن أهم مسئوليات الدولة المعاصرة. كما أنه يحظى باهتمام كبير من جانب عدد هائل من المنظمات الدولية. ومع ذلك فهناك نقد متزايد للأداء العربى فى هذا المجال الحيوى.
ويتم نقد الأداء فى العالم العربى على مرجعية التعليم فى البلاد المتقدمة, وهو ما يمثل خطأ كبيرا. فالواقع أن التعليم الغربى المتقدم ذاته غارق فى مشكلات أساسية لم يتم حلها بل ولا ينتبه لها غير أقلية من فلاسفة التعليم لأن الغالبية أسست نظرتها للتعليم على قاعدة القبول بالأمر الواقع وبصفة أخص فيما يتعلق بفلسفة التعليم ودوره. وبذلك صار النموذج الملهم للتعليم فى العالم العربى هو ذلك الذى يساعد على الوصول الى التقدم بمؤشراته ومعناه فى العالم الغربى والدول المتقدمة عموما. ولا شك أن هذا المستوى من المعالجة ضرورى بل وملح اذا كان المقصود منه هو الوصول الى المؤشرات الكمية المعروفة والتى تذخر بها أدبيات المنظمات الدولية مثل معدلات الالتحاق بالمدارس ونسب المدرسين الى الطلاب ومتوسط الوقت الذى يقضيه الطلاب فى المدارس ومدى تقدم المقررات التعليمية ومدى الاهتمام بالأنشطة غير التقليدية مثل الرياضة والفنون والاداب والرحلات والمناقشات الحرة. كما تشكل تلك المؤشرات قضايا نوعية مثل مدى الاهتمام بالقدرة على التفكير والتعبير بالمقارنة بالحفظ والتلقين, ومدى توفر الأبنية والتسهيلات التعليمية ومن ثم الموازنات التى يحتاجها هذا القطاع للوصول الى المعدلات الكمية المقبولة عالميا. وتتفق الشكاوى من الأداء فى النظام التعليمى فى العالم العربى من وجهة النظر هذه على طائفة من القضايا النوعية: فالتعليم العربى الرسمى على الأقل يقوم على التلقين وهو ما يؤدى الى تشكيل عقل أصم يعتبر عقله مخزنا للمعلومات وليس طاقة رائعة للتفكير, واستخدام أساليب تسلطية فى المدرسة تقوم على النهى والزجر وأحيانا الضرب. وفى نفس الوقت نجد فلسفة شعبوية فى التعليم وتقدير أداء الطلاب يهتم برشوة الشعب بتحديد معدلات للنجاح فى الشهادات العامة أعلى بكثير من مستويات الأداء الحقيقة للطلاب. وفى البلاد العربية الفقيرة يعانى النظام المدرسى من مشكلات شتى تشمل بؤس الأبنية وقصر الوقت المتاح وتدنى مستويات المدرسين والحشو المبالغ فيه فى المقررات التعليمية, وضالة الصلة بين التعليم وحاجات ومهارات العمل المتاح. وقد انقسم النظام المدرسى الى أطر طبقية حيث يتمتع الطلاب المنتمين للطبقات الغنية بمستويات كمية مقبولة بينما يعانى التعليم الحكومى من فقر شديد فى كافة المؤشرات المعروفة. ويعيد النظام المدرسى انتاج البنية الطبقية القائمة وقد يساعد على تدهورها من حيث عدم تكافؤ الفرص والتركيز المتزايد للثروة. أما فى البلاد العربية الغنية فثمة طائفة أخرى من المشاكل بما فيها التسيب فى تقويم الأداء الطلابى فى الشهادات العامة, وعدم المساواة بين الطبقات والمناطق والاهتمام بالكم على حساب النوع, واستمرار عزل الجنسين فى المدارس والجامعات. وقد أضيف لكل ذلك الشكوى الأمريكية والعالمية من المقررات التعليمية الحافلة بصور عدم التسامح والقسوة والعنف فضلا عن تفضيل الشكل على المضمون.
وسوف نتناول بعض هذه المشكلات الخاصة بالمستوى العربى تحديدا فى المستقبل. أما الان فما نريد أن نتقوم به هو التأكيد على الحاجة الى رفض النموذج المرجعى للتعليم والذى يتمثل فى التعليم الغربى الحديث أو ما يعتقد أنه كذلك. وعلينا منذ البداية أن نفرق بين التعليم والنظام المدرسى. فالأخير لا يضمن فى الحقيقة تعليما بل قد يؤدى الى "تجهيل" بل أن الكيفية التى تتم بها "العملية التعليمية" قد تشتمل بذاتها على تجهيل من الناحيتين الأخلاقية والعلمية.
لقد ارتبط التعليم ارتباطا قويا للغاية بانتاج المجتمع القومى الرأسمالى والاستهلاكى الحديث بكل ما يشتمل عليه من تعصب. فالارتباط بين السجل التعليمى وحسن الخلق أو لطف المعشر أو الميل للتعاون أو الرغبة فى مساعدة الاخرين أو الحب الحقيقى للمجتمع وتقديره أو الشعور بالمسئوليات الأخلاقية عموما ضعيف. ولم يساعد التعليم فى شىء على تحسين البيئة الدولية ووضع حد للحروب المدمرة والظلم الاجتماعى أو حتى ثقافة الكراهية والعنف. وربما يكون الافتقار الى هذا الرباط الجوهرى هو العلة وراء اتساع الفجوة بين التقدم التكنولوجى والعلمى المذهل من ناحية والتقدم الأخلاقى المحدود للغاية الذى أحرزته البشرية حتى الان.
وبينما كان رؤساء القبائل التقليديين يمارسون فى الماضى كل من الحرب والتعاون البناء مع غيرهم فان القادة المحدثين للحروب والحركات العرقية والاثنية والدينية والذين حصل أغلبهم على مستوى مرتفع للغاية من التعليم الحديث يميلون أكثر كثيرا نحو العنف والحرب وأقل كثيرا نحو تأسيس روابط انسانية أعمق وأوسع مع غيرهم وخاصة من يعتبرونهم خصوما أو أعداء لهوياتهم المتضخمة على حساب الرابطة الجامعة بين البشر. ويمتلك هؤلاء مهارات أقل فى نشر المحبة عن أسلافهم الذين توقف تعليمهم على استيعاب الحكمة التقليدية الموروثة.
ولم يعد من النادر أن نرى علماء أو مهنيين مبدعين وعلى قدر مرتفع للغاية من التعليم والمعرفة ينشرون الكراهية ويشعرون بالحقد يغلى فى صدورهم, ولا يتورعون عن قيادة عمليات الارهاب الفردى أو ارهاب الدولة ويرسلون جيوشها عبر الاف الأميال لشن حروب تسبب دمارا كبيرا وتترك الالاف أو الملايين قتلى وجرحى ومعاقين كما تترك بلادا بكاملها وقد عمها الخراب وحرم أهلها من أبسط الخدمات والحقوق الانسانية. ان الذين يقومون بالتعذيب والمعاملة المهينة لمواطنيهم أو يأمرون به هم قادة كبار فى أجهزة الشرطة المحلية فى عشرات من دول العالم حصلوا على قدر لا بأس به من التعليم وتتاح لهم أفقضل الفرص للتدريب والثقافة. زالذين لا يتورعون عن الحصول على الرشاوى والقيام بعمليات فساد مضرة للاقتصاد الوطنى والعالمى ويحرمون بذلك أخوانهم فى الوطن وفى العالم الخارجى من الفرص الدنيا لتلقى التعليم المناسب أو الحصول على ماء الشرب النظيفة أو مجرد التمتع بالحد الأدنى من الخدمات الصحية والوقائية أو مجرد الغذاء الضرورى للحياة هم أيضا فى العادة ممن تلقوا تعليما عاليا.
ويمكننا أن نمضى فى رصد الأمراض الخطيرة التى تفتك بالأخلاق العامة وتسبب أشد الأضرار بالبشر وننسبها لأفراد حصلوا على مستويات عالية من التعليم.
وبينما لا يمكننا أن نعزو هذه الأمراض كلها للتعليم بذاته لا يمكن أيضا تجنب الاستنتاج بأن التعليم لم يوفر قاعدة مرضية للتطور الأخلاقى. كما أن هذه الحقائق تنبهنا الى أن التعليم المعاصر صار منفك الصلة بالتربية الأخلاقية والانسانية. بل يمكننا أن نذهب الى ما هو ابعد لنقول أن التعليم ربما يكون أحد العوامل التى تحفز الأشخاص على الشعور بالتفوق.
وتصوغ بعض الفلسفات تطلعات مريضة للوصول الى حالة "سوبرمانية" من جانب أشخاص يشعرون بأنهم عباقرة ويسكنون فى سماوات تطل على بقية اتلبشر من أعلى دون أن يكون لديهم الايمان بالمسئولية الأخلاقية أمام البشرية على أية مستوى, بل تنصرف تطلعاتهم هذه الى البحث فى مختلف الطرق والسياسات التى تضمن لهم دفع الأشياء لمصلحتهم الأنانية بما فى ذلك السيطرة على الاخرين واخضاعهم لمعاملة متدنية حيث تحتقر الحقوق الاساسية وتنتهك ابسط القيم السامية التى عدها الناس عبر التاريخ أثمن ما أنتجته التجربة الاجتماعية والحضارة ذاتها.
ثانيا: مشكلات التعليم الحديث
وكما قلنا فان التعليم قد لا يكون المسئول الأول أو الوحيد عن تلك التشوهات المخيفة للشخصية الانسانية التى ترتبط بالحروب ومختلف ضروب القسوة والفساد والكراهية فضلا عن تسخير العلم ذاته فيما لا يجلب سوى التعاسة., ولكن التعليم يظل مسئولا عن الفشل فى الحيلولة دون بروز هذه التشوهات على النحو الذى نشهدة فى اللوجة السياسية والاجتماعية العالمية. كما أنه يظل مسئولا بين عوامل وقوى أخرى كامنة فى صميم المجتمع عن انفكاك الصلة بين المعرفة والأخلاق الرفيعة فضلا عن الشعور بالمسئولية الاجتماعية.
ويجب أن نبحث بصورة ميدانية لماذا يفشل التعليم فى انتاج الشعور بالمسئولية الأخلاقية وعن جعل المعرفة صنوا للرقى الانسانى بكل أبعادة. فالتعليم ليس شيئا متجانسا فى جميع المجتمعات أو حتى فى المجتمع الواحد. بل وقد لا يكون للمصطلح نفس المعانى والدلالات المبثوثة فيه عبر الثقافات والمجتمعات والدول. ولذلك يتعين علينا أن نرصد تلك المسئولية بصورة ميدانية وفى السياقات الوطنية والقومية والثقافية والجغرافية وأن نقوم ببحوث تفصيلية عن تلك الارتباطات المشكوك فيها بين التعليم والرقى الأخلاقى والمعرفى.
رد: حقوق الإنسان فى التعليم
غير أننا نستطيع أن ننسب قدرا كبيرا من الأمراض العالمية التى أشرنا الى بعضها الى مشكلات مشتركة. وربما تكون القائمة التالية أهم تلك المشاكل المشتركة عبر الثقافات والمجتمعات.
1) التركيز على التعليم بالمعنى الضيق أكثر نظم التعليم الراهنة تكتفى بالتركيز على اجبار الطلاب على اسيتعاب قدر كبير من المعلومات ولا تلقى بالا الى التربية الأخلاقية. ويلاحظ أن هذا التركيز الأحادى وسقوط "أجندة" التربية من لائحة المسئوليات والمهام التى يقوم بها جهاز التعليم يرتبط الى حد كبير بالأوضاع السائدة فى المجتمع ذاته نتيجة التركيز على اطلاق حريات الفرد واعلاء القيم المادية كركز لولادته ولادة حرة وذلك على حساب الروابط الاجتماعية المشتركة والمسئوليات الأخلاقية التى يجب أن تحميها وتنميها وتطورها على الدوام. وربما يعود هذا التركيز الأحادى الى الفشل المتأصل فى نظم التعليم البيروقراطية ذاتها. أن بيروقراطية التعليم تجد من الأسهل لها القيام بشروح لمعلومات تبدو موضوعية أو حقائق مطلقة ذات أهمية فى السوق والاقتصاد وذلك بالمقارنة بواجب القيام بشروح مستقيضة للواجبات الأخلاقية. ويبدو أن المحيط الاجتماعى بجوانبة المختلفة بدأ يدفع الطلاب أنفسهم للسخرية من القيم الأخلاقية أو المقررات الدراسية أو الشروح التى تتعمد غرس هذه القيم فى نفوسهم. وفى حالات كثيرة صارت المدارس والفصول الدراسية ذاتها هى الميدان الذى يتعلم فيه الأطفال واليافعين لضروب العنف والفساد المختلفة. ولا تعنى اشرتنا الى البيروقراطية التعليمية أننا نوجه الاتهام الى نظم التعليم العامة التى ترعاها الحكومات وحدها. بل قد تكون مسئولية نظم التعليم الخاصة والتى تتمتع بظروف أفضل كثيراأشد مسئولية عن بعض الأمراض الأخلاقية المنتشرة. ولنلاحظ أن كبار الساسة وغيرهم من العناصر المسئولة عن شن حروب الدمار هم فى حالات كثيرة خريجى أفضل المدارس والجامعات الخاصة. ففى الحالتين وان بطرق مختلفة وتبعا لظروف متباينة نجد ظاهرة انفكاك الصلة بين التعليم والتربية الأخلاقية والتركيز على الأول دون- وعلى حساب- الثانى.
2) تجزئة المعرفة والشخصية الانسانية: فجانب كبير من التعليم المدرسى بما فيه الجامعى ينصرف فى أكثرية دول العالم على شروح لمقررات منعزلة عن بعضها البعض ومناهج عمل وأساليب تدريس نمطية ومجزأة الى حد كبير. كما تتم عملية التدريس ذاتها بقدر كبير من النمطية. ويؤدى هذا الارث الى تكون معرفى متشظى وبعيد عن أن يمنح الطلاب رؤية معرفية شاملة أو ادراكا شاملا للأشياء. ويفهم أكثر التلاميذ دروس اللغة بمعزل عن دروس الرياضيات. وتنفصل المعارف المتاحة عن المجتمع عن تلك التى ينظر اليها باعتبارها معارف علمية أو وضعية صارمة لا مجال للشك فيها. ان الحقيقة البشرية والطبيعية ذاتها تبدو وكأنها مقسمة بين مجالات مختلفة وباردة تجاه بعضها البعض. ونادرا ما يوحى التعليم للطلاب بأننا نتحدث عن نفس المجتمع أو نفس المادة البشرية والطبيعية وأن المقررات التعليمية لا تناقش سوى جوانب مختلفة من نفس الحقائق أو الأشياء, وان المباحث المختلفة حول تلك الأشياء ليست سوى طرق للتركيز على تنمية مهارات أكثر تخصصا دون أن يكون ذلك سببا لفصم العرى بين الجوانب المختلفة من نفس الظواهر. وبذلك يحرم الطلاب من فرصة تكوين شخصية شاملة أو ادراك المعرفة باعتيارها عملية غير قابلة للتجزؤ. وتقود عملية التشظى هذه الى تشظى مقابل للشخصية والى مضاعفة السدود والموانع فيما بين البشر أنفسهم.
3) تطور التعليم الحديث نفسه يرتبط ارتباطا قويا بالدولة والهوية العرقية والثقافية على حساب الهوية الانسانية. وتنظر دول كثيرة للتعليم على أعتبار أنه أداة للمشايعة السياسية وتكوين مواطن متحد تمام الاتحاد مع دولته وهويته بما فى ذلك لغته هو وثقافته القومية. وكثيرا ما يعنى ذلك غرس الكراهية للقوميات والدول الأخرى منذ الصغر. وتخلط تلك الدولة بين مسؤليتها عن التعليم العام من ناحية و"حقها" المزعوم فى صب الانسان فى قالب المواطنة التقليدى الذى يجد نموذجه الأعلى فى الجندى المحارب "من أجل بلاده". ولهذا السبب ترتبط نظم التعليم بالايديولوجيا القومية والهويات العرقية ارتباطا حميما ولا تتمكن من ايجاد الصياغات الضرورية للفت النظر الى أن انتماء الشخص لهوية ما ليس بالضرورة على حساب الهويات الأخرى. وبذلك يقوم التعليم بصهر الوجدان وتأطير العقول بما يناسب الأيديولوجيا القومية والعرقية والدينية. وبذلك يتكون فى الحقيقة جندى لدى الدولة بغض النظر عما أذا كان يعمل بالقوات المسلحة للبلد المعنى أم فى أنشطة أخرى. امن مثل هذا التوظيف السياسى والايديولوجى للتعليم هو المسئول الأول عن الميول نحو العنف وفك عرى الارتباط بين المعرفة والمسئولية الأخلاقية. لقد صار تعليم الدولة القومية محاضن يعد فيها الناس لكى يصيروا وطنيين وليس لكى يكونوا بشرا أفضل. بهذا المعنى فالتعليم الحديث هو المفرخ الأول للشمولية أو على الأقل واحدية الهوية.
4) العزلة الطويلة عن الحياة فى نظم أشبه بالثكنات: ويقودنا هذا الى واحدة من أهم مشكلات التعليم الحديث وهو أنه المؤسسة الموازية للمجتمع الجماهيرى والتى تضمن بقاء هذا المجتمع. اذ يتم عزل الطلاب منذ نعومة أظفارهم عن الحياة وذلك لفترة طويلة قبل أن يبدأ دفعهم فجأة الى الوظائف التى تتعلق بشئون الحياة. ويفتقد الناس فى مثل هذا النظام لادراك طازج للحياة بما فيها من معاناة وتعقيد وما تستلزمه من حكمة لا من حقائق ومعارف مجزأه. وفى غالبية دول العالم الثالث لا يضمن التعليم فرصا للعمل المشبع ويتم التصريح علنا وبدرجة مذهلة من التسليم بالأمر الواقع أن ما يتلقاه الطلاب من معارف لا تضمن لهم حتى الحد الأدنى من المهارات المطلوب للقيام بأعمال ووظائف محددة. ومن أغرب نتائج هذه النظم التعليمية أن يعيش الناس أفضل سنوات عمرهم باسم التعليم فى أماكن معزولة وذات اسوار لكى يتخرجوا دون أن يمتلكوا هذه المهارات. ويضطر أصحاب الأعمال فى أحوال كثيرة الى تدريب خريجى النظام التعليمى الحديث على مهارات أساسية لم يتعلموها. وتصل السخرية الى حد أن كثيرا من الطلاب- الذين كان أسلافهم من الأطفال واليافعين فى الماضى يعلمون كل شىء عن محيطهم الاجتماعى والبيئى – لا يكادوا يعرفون شيئا عن جيرانهم أنفسهم أو عن المزروعات والأنشطة السائدة فى مناطقهم. وبذلك تتعزز الطبيعة التجريدية للمحيط البيئى والاجتماعى وتصبح مجرد أشياء ربما وردت فى الكتب ولكنها تبدو باردة وغريبة أو حتى كريهة. وتغرس هذه المقومات امكانية العنف تجاه عناصر البيئة الاجتماعية والبيئية المحيطة. أما الشعوب الأخرى فى نفس المحيط أو على جواره فهى تصبح طلاسما يصعب فهمها وقد توضع فيها دلالات سلبية. وعندما لا يمتلك النظام التعليمى الحكومى الموارد الكافية تتم التضحية حتى بألأنشطة البدينة والابداعية التى يمارسها الناس كجزء لا يتجزأ من وجودهم ذاته ويحرم الأطفال واليافيعن من فرص النمو اطبيعى ووسط الطبيعة والمجتمع ويتحولون الى مخازن لمعلومات متفرقة لا تقود الى أى نوع من الحكمة أو المعارف الحقيقية فضلا عما تتضمنه من حرمان من مقومات أساسية للشخصية الانسانية مثل النشاطات البدينة والابداعية. ويعزز هذا التكوين من الطابع التجريدى والمفقر للشخصية الانسانية وقد يدفع تلقائيا الى العنف كما يحدث فى المدارس ذاتها.
ثالثا: ملامح لمستقبل منشود:
ان التفكير الأخلاقى المسئول حول مستقبل التعليم لابد أن يواجه تلك المشكلات المستعصية للتعليم سواءا على المستوى الوطنى أو العالمى. وتبدو صعوبة هذا التفكير فى أن التعليم هو عملية اعادة انتاج للمجتمع ذاته. فلا يمكن لمجتمع أن يعلم أولاده سوى ما يعلمه أو يؤمن به. ويعنى ذلك تلقائيا أنه لن يعلم أولاده ما يجهله أو ما ليس من اللائحة الأساسية لمنظومته القيمية. فاذا كان المجتمع كله يحتفل بالخرافة فلن يكون من الممكن لأطنان من المعلومات العلمية أن تنتج طلابا مغايرين. واذا كان المجتمع ممسوسا بالتطرف الدينى فسوف تجد هذه المشاعر طريقها للنفاد الى قلب المؤسسة التعليمية بمئات من الطرق, هكذا. وقد يكون من السهل علينا أن نصرح بأن التعليم هو أيضا أداة للتغير الاجتماعى ولكن وضع هذه الأطروحة موضع التطبيق فى الممارسة العملية قد يكون أصعب الأشياء. فاذا كانت بنية القوة فى المجتمع تتركز حول فئات معينة مثل رجال الدولة والماليين الكبار وأصحاب المشروعات او شركات الأعمال التى تقوم بالتوظيف والجيوش الكبيرة وقوات البوليس فضلا عن المؤسسات الدينية والحركات الاجتماعية والسياسية التى تتمتع بنفوذ كبير على العقول والضمائر دون أن تكون مؤهلة لمناقشة أى من الأمور التى تدافع عنها بصورة عقلانية أو نقدية فان هذه الهيئات ذاتها ستتمتع بسلطة القرار التعليمى مثلما تتمتع بسلطة الحياة والموت على المواطنين سواءا كانوا داخل أو خارج النظام التعليمى. وسوف يتابع هؤلاء التأثير بعقلياتهم ومصالحهم على نظم التعليم الوطنية مثلها فى ذلك مثل كل النظم الأخرى.
ويضاعف من تلك الحقيقة أن نظم التعليم الحديث أثبتت فعاليتها فى انتاج الجيوش الضرورية للحروب وللانتاج العلمى والتكنولوجى والاقتصادى الذى اتاح الثروات المذهلة وغير المسبوقة المرتبطة بمعنى الحداثة نفسه لدى الموسسات المهيمنة. ومع ذلك كله فان هناك قدر كاف من الغضب على نمط المجتمعات الحديثة سواءا كانت أصيلة فى انتاج الحداثة الزائفة التى نعايشها الان أو كانت مجرد تقليد هزيل وغير متقن للأولى كما هو شائع فى العالم الثالث وبالذات البلاد الأقل نموا. كما أن هناك قدر كاف من المعارف التى تؤكد استحالة مواصلة العيش بالطريقة التى تأسست فى القرن الثامن عشر وازدهرت بصورة غير مسبوقة فى القرن العشرين. ويهدد انتشار الحروب وثقافة الكراهية والنطرف الدينى والميول الاثنية والقومية المتطرفة وغيرها من مظاهر السياسة المعاصرة بتدهور شامل لا للأخلاق الانسانية فحسب بل وللحياة ذاتها. ولهذا السبب فان تطلعنا الى تعليم مختلف قد يتمتع بقدر معقول من التأييد لدى أوساط اجتماعية وثقافية عديدة. كما لا يمكن التقليل من نفوذ الأفكار الايجابية والبناءة حتى لو لم تكن تتمتع بتأييد أو سلطة مادية فى السياقات الوطنية والعالميةالراهنة. ان الغالبية الساحقة من المفكرين وذوى الضمائر تتطلع الى تأسيس حضارة انسانية جديدة وهو ما يجعل التفكير بشجاعة فى مستقبل التعليم مشروعا ممكنا وقد يحظى باهتمام كبير من دوائر متعددة.
ولكن السؤال يتعلق بطبيعة التعليم المستقبلى الذى نصبو اليه. وهنا قد لا يكون لدينا تصور كامل. وينبغى مناقشة الأمر بصورة جماعية وعلى أصعدة اجتماعية شتى حتى نصل الى أفكار وملامح تطمئننا على أن ما قد نؤسسة ليس ردة الى الماضى وليست مخاطرة بما نملك من أجل أحلام ضبابية.
.
1) التركيز على التعليم بالمعنى الضيق أكثر نظم التعليم الراهنة تكتفى بالتركيز على اجبار الطلاب على اسيتعاب قدر كبير من المعلومات ولا تلقى بالا الى التربية الأخلاقية. ويلاحظ أن هذا التركيز الأحادى وسقوط "أجندة" التربية من لائحة المسئوليات والمهام التى يقوم بها جهاز التعليم يرتبط الى حد كبير بالأوضاع السائدة فى المجتمع ذاته نتيجة التركيز على اطلاق حريات الفرد واعلاء القيم المادية كركز لولادته ولادة حرة وذلك على حساب الروابط الاجتماعية المشتركة والمسئوليات الأخلاقية التى يجب أن تحميها وتنميها وتطورها على الدوام. وربما يعود هذا التركيز الأحادى الى الفشل المتأصل فى نظم التعليم البيروقراطية ذاتها. أن بيروقراطية التعليم تجد من الأسهل لها القيام بشروح لمعلومات تبدو موضوعية أو حقائق مطلقة ذات أهمية فى السوق والاقتصاد وذلك بالمقارنة بواجب القيام بشروح مستقيضة للواجبات الأخلاقية. ويبدو أن المحيط الاجتماعى بجوانبة المختلفة بدأ يدفع الطلاب أنفسهم للسخرية من القيم الأخلاقية أو المقررات الدراسية أو الشروح التى تتعمد غرس هذه القيم فى نفوسهم. وفى حالات كثيرة صارت المدارس والفصول الدراسية ذاتها هى الميدان الذى يتعلم فيه الأطفال واليافعين لضروب العنف والفساد المختلفة. ولا تعنى اشرتنا الى البيروقراطية التعليمية أننا نوجه الاتهام الى نظم التعليم العامة التى ترعاها الحكومات وحدها. بل قد تكون مسئولية نظم التعليم الخاصة والتى تتمتع بظروف أفضل كثيراأشد مسئولية عن بعض الأمراض الأخلاقية المنتشرة. ولنلاحظ أن كبار الساسة وغيرهم من العناصر المسئولة عن شن حروب الدمار هم فى حالات كثيرة خريجى أفضل المدارس والجامعات الخاصة. ففى الحالتين وان بطرق مختلفة وتبعا لظروف متباينة نجد ظاهرة انفكاك الصلة بين التعليم والتربية الأخلاقية والتركيز على الأول دون- وعلى حساب- الثانى.
2) تجزئة المعرفة والشخصية الانسانية: فجانب كبير من التعليم المدرسى بما فيه الجامعى ينصرف فى أكثرية دول العالم على شروح لمقررات منعزلة عن بعضها البعض ومناهج عمل وأساليب تدريس نمطية ومجزأة الى حد كبير. كما تتم عملية التدريس ذاتها بقدر كبير من النمطية. ويؤدى هذا الارث الى تكون معرفى متشظى وبعيد عن أن يمنح الطلاب رؤية معرفية شاملة أو ادراكا شاملا للأشياء. ويفهم أكثر التلاميذ دروس اللغة بمعزل عن دروس الرياضيات. وتنفصل المعارف المتاحة عن المجتمع عن تلك التى ينظر اليها باعتبارها معارف علمية أو وضعية صارمة لا مجال للشك فيها. ان الحقيقة البشرية والطبيعية ذاتها تبدو وكأنها مقسمة بين مجالات مختلفة وباردة تجاه بعضها البعض. ونادرا ما يوحى التعليم للطلاب بأننا نتحدث عن نفس المجتمع أو نفس المادة البشرية والطبيعية وأن المقررات التعليمية لا تناقش سوى جوانب مختلفة من نفس الحقائق أو الأشياء, وان المباحث المختلفة حول تلك الأشياء ليست سوى طرق للتركيز على تنمية مهارات أكثر تخصصا دون أن يكون ذلك سببا لفصم العرى بين الجوانب المختلفة من نفس الظواهر. وبذلك يحرم الطلاب من فرصة تكوين شخصية شاملة أو ادراك المعرفة باعتيارها عملية غير قابلة للتجزؤ. وتقود عملية التشظى هذه الى تشظى مقابل للشخصية والى مضاعفة السدود والموانع فيما بين البشر أنفسهم.
3) تطور التعليم الحديث نفسه يرتبط ارتباطا قويا بالدولة والهوية العرقية والثقافية على حساب الهوية الانسانية. وتنظر دول كثيرة للتعليم على أعتبار أنه أداة للمشايعة السياسية وتكوين مواطن متحد تمام الاتحاد مع دولته وهويته بما فى ذلك لغته هو وثقافته القومية. وكثيرا ما يعنى ذلك غرس الكراهية للقوميات والدول الأخرى منذ الصغر. وتخلط تلك الدولة بين مسؤليتها عن التعليم العام من ناحية و"حقها" المزعوم فى صب الانسان فى قالب المواطنة التقليدى الذى يجد نموذجه الأعلى فى الجندى المحارب "من أجل بلاده". ولهذا السبب ترتبط نظم التعليم بالايديولوجيا القومية والهويات العرقية ارتباطا حميما ولا تتمكن من ايجاد الصياغات الضرورية للفت النظر الى أن انتماء الشخص لهوية ما ليس بالضرورة على حساب الهويات الأخرى. وبذلك يقوم التعليم بصهر الوجدان وتأطير العقول بما يناسب الأيديولوجيا القومية والعرقية والدينية. وبذلك يتكون فى الحقيقة جندى لدى الدولة بغض النظر عما أذا كان يعمل بالقوات المسلحة للبلد المعنى أم فى أنشطة أخرى. امن مثل هذا التوظيف السياسى والايديولوجى للتعليم هو المسئول الأول عن الميول نحو العنف وفك عرى الارتباط بين المعرفة والمسئولية الأخلاقية. لقد صار تعليم الدولة القومية محاضن يعد فيها الناس لكى يصيروا وطنيين وليس لكى يكونوا بشرا أفضل. بهذا المعنى فالتعليم الحديث هو المفرخ الأول للشمولية أو على الأقل واحدية الهوية.
4) العزلة الطويلة عن الحياة فى نظم أشبه بالثكنات: ويقودنا هذا الى واحدة من أهم مشكلات التعليم الحديث وهو أنه المؤسسة الموازية للمجتمع الجماهيرى والتى تضمن بقاء هذا المجتمع. اذ يتم عزل الطلاب منذ نعومة أظفارهم عن الحياة وذلك لفترة طويلة قبل أن يبدأ دفعهم فجأة الى الوظائف التى تتعلق بشئون الحياة. ويفتقد الناس فى مثل هذا النظام لادراك طازج للحياة بما فيها من معاناة وتعقيد وما تستلزمه من حكمة لا من حقائق ومعارف مجزأه. وفى غالبية دول العالم الثالث لا يضمن التعليم فرصا للعمل المشبع ويتم التصريح علنا وبدرجة مذهلة من التسليم بالأمر الواقع أن ما يتلقاه الطلاب من معارف لا تضمن لهم حتى الحد الأدنى من المهارات المطلوب للقيام بأعمال ووظائف محددة. ومن أغرب نتائج هذه النظم التعليمية أن يعيش الناس أفضل سنوات عمرهم باسم التعليم فى أماكن معزولة وذات اسوار لكى يتخرجوا دون أن يمتلكوا هذه المهارات. ويضطر أصحاب الأعمال فى أحوال كثيرة الى تدريب خريجى النظام التعليمى الحديث على مهارات أساسية لم يتعلموها. وتصل السخرية الى حد أن كثيرا من الطلاب- الذين كان أسلافهم من الأطفال واليافعين فى الماضى يعلمون كل شىء عن محيطهم الاجتماعى والبيئى – لا يكادوا يعرفون شيئا عن جيرانهم أنفسهم أو عن المزروعات والأنشطة السائدة فى مناطقهم. وبذلك تتعزز الطبيعة التجريدية للمحيط البيئى والاجتماعى وتصبح مجرد أشياء ربما وردت فى الكتب ولكنها تبدو باردة وغريبة أو حتى كريهة. وتغرس هذه المقومات امكانية العنف تجاه عناصر البيئة الاجتماعية والبيئية المحيطة. أما الشعوب الأخرى فى نفس المحيط أو على جواره فهى تصبح طلاسما يصعب فهمها وقد توضع فيها دلالات سلبية. وعندما لا يمتلك النظام التعليمى الحكومى الموارد الكافية تتم التضحية حتى بألأنشطة البدينة والابداعية التى يمارسها الناس كجزء لا يتجزأ من وجودهم ذاته ويحرم الأطفال واليافيعن من فرص النمو اطبيعى ووسط الطبيعة والمجتمع ويتحولون الى مخازن لمعلومات متفرقة لا تقود الى أى نوع من الحكمة أو المعارف الحقيقية فضلا عما تتضمنه من حرمان من مقومات أساسية للشخصية الانسانية مثل النشاطات البدينة والابداعية. ويعزز هذا التكوين من الطابع التجريدى والمفقر للشخصية الانسانية وقد يدفع تلقائيا الى العنف كما يحدث فى المدارس ذاتها.
ثالثا: ملامح لمستقبل منشود:
ان التفكير الأخلاقى المسئول حول مستقبل التعليم لابد أن يواجه تلك المشكلات المستعصية للتعليم سواءا على المستوى الوطنى أو العالمى. وتبدو صعوبة هذا التفكير فى أن التعليم هو عملية اعادة انتاج للمجتمع ذاته. فلا يمكن لمجتمع أن يعلم أولاده سوى ما يعلمه أو يؤمن به. ويعنى ذلك تلقائيا أنه لن يعلم أولاده ما يجهله أو ما ليس من اللائحة الأساسية لمنظومته القيمية. فاذا كان المجتمع كله يحتفل بالخرافة فلن يكون من الممكن لأطنان من المعلومات العلمية أن تنتج طلابا مغايرين. واذا كان المجتمع ممسوسا بالتطرف الدينى فسوف تجد هذه المشاعر طريقها للنفاد الى قلب المؤسسة التعليمية بمئات من الطرق, هكذا. وقد يكون من السهل علينا أن نصرح بأن التعليم هو أيضا أداة للتغير الاجتماعى ولكن وضع هذه الأطروحة موضع التطبيق فى الممارسة العملية قد يكون أصعب الأشياء. فاذا كانت بنية القوة فى المجتمع تتركز حول فئات معينة مثل رجال الدولة والماليين الكبار وأصحاب المشروعات او شركات الأعمال التى تقوم بالتوظيف والجيوش الكبيرة وقوات البوليس فضلا عن المؤسسات الدينية والحركات الاجتماعية والسياسية التى تتمتع بنفوذ كبير على العقول والضمائر دون أن تكون مؤهلة لمناقشة أى من الأمور التى تدافع عنها بصورة عقلانية أو نقدية فان هذه الهيئات ذاتها ستتمتع بسلطة القرار التعليمى مثلما تتمتع بسلطة الحياة والموت على المواطنين سواءا كانوا داخل أو خارج النظام التعليمى. وسوف يتابع هؤلاء التأثير بعقلياتهم ومصالحهم على نظم التعليم الوطنية مثلها فى ذلك مثل كل النظم الأخرى.
ويضاعف من تلك الحقيقة أن نظم التعليم الحديث أثبتت فعاليتها فى انتاج الجيوش الضرورية للحروب وللانتاج العلمى والتكنولوجى والاقتصادى الذى اتاح الثروات المذهلة وغير المسبوقة المرتبطة بمعنى الحداثة نفسه لدى الموسسات المهيمنة. ومع ذلك كله فان هناك قدر كاف من الغضب على نمط المجتمعات الحديثة سواءا كانت أصيلة فى انتاج الحداثة الزائفة التى نعايشها الان أو كانت مجرد تقليد هزيل وغير متقن للأولى كما هو شائع فى العالم الثالث وبالذات البلاد الأقل نموا. كما أن هناك قدر كاف من المعارف التى تؤكد استحالة مواصلة العيش بالطريقة التى تأسست فى القرن الثامن عشر وازدهرت بصورة غير مسبوقة فى القرن العشرين. ويهدد انتشار الحروب وثقافة الكراهية والنطرف الدينى والميول الاثنية والقومية المتطرفة وغيرها من مظاهر السياسة المعاصرة بتدهور شامل لا للأخلاق الانسانية فحسب بل وللحياة ذاتها. ولهذا السبب فان تطلعنا الى تعليم مختلف قد يتمتع بقدر معقول من التأييد لدى أوساط اجتماعية وثقافية عديدة. كما لا يمكن التقليل من نفوذ الأفكار الايجابية والبناءة حتى لو لم تكن تتمتع بتأييد أو سلطة مادية فى السياقات الوطنية والعالميةالراهنة. ان الغالبية الساحقة من المفكرين وذوى الضمائر تتطلع الى تأسيس حضارة انسانية جديدة وهو ما يجعل التفكير بشجاعة فى مستقبل التعليم مشروعا ممكنا وقد يحظى باهتمام كبير من دوائر متعددة.
ولكن السؤال يتعلق بطبيعة التعليم المستقبلى الذى نصبو اليه. وهنا قد لا يكون لدينا تصور كامل. وينبغى مناقشة الأمر بصورة جماعية وعلى أصعدة اجتماعية شتى حتى نصل الى أفكار وملامح تطمئننا على أن ما قد نؤسسة ليس ردة الى الماضى وليست مخاطرة بما نملك من أجل أحلام ضبابية.
.
رد: حقوق الإنسان فى التعليم
وجل ما نستطيعه هنا هو التفكير بصوت عال فى بعض هضه الملامح المطلوبة. وعلينا أن نلفت النظر بالذات الى تلك الملامح لتعليم مستقبلى بناء تعالج المشكلات الخطيرة التى أشرنا الى بعضها فى الفقرات السابقة. ومن ثم فاننا ندعو للتفكير فى الاطروحات التالية.
1) استرداد الوظيفة الأخلاقية والتربوية للتعليم على كافة المستويات. واذا كنا نفكر فى التعليم كأداة لبناء حضارة انسانية جديدة فى سياقات تعدية ثقافيا واجتماعيا ودينيا فان علينا التركيز على أخلاقيات الحياة المدنية المأمولة وهو ما يعنى التركيز على التربية المدنية. ويثير هذا التوجه قضايا لا حصر لها تكمن فى صميم فكرتنا عن مجتمعاتنا وهوياتنا المتعددة. وقد أثيرت بالفعل مناظرات ذات صلة بهذا التوجه أثناء المفاوضات حول كثرة من التشريعات الدولية وخاصة تلك المتصلة بحقوق الطفل. وعلى سبيل المثال لابد من طرح أسئلة حول تربية الطفل على الأسس والموروثات ذات الصلة بهوية أباءه. ولكن ذلك قد ينطوى على ما يعد تربية غير مناسبة على بعض الافكار والنوعات الكارهة للأخر أو التى تزرع عقدة تفوق فى نفوس النشأ. كما أثريت مناظرات أخرى تتعلق بمفهوم معين للحق فى التعليم تحول دون قيام الأطفال بأى نوع من الأعمال. وبالمقابل قد لا يكون ذلك أمرا ضارا بنهاية المطاف برفاهية الأسر الفقيرة فى المجتمعات المحرومة فحسب, بل قد تكون تلك الفكرة ضارة بتربية الأطفال من حيث أنها تعزلهم عن بعض أهم خصائص العملية التربوية السليمة بالمعنى الواسع للكلمة لأن التعليم والتربية المعزولة عن العمل قد لا تنتج غير تكوين تجريدى وقليل الحساسية للحياة الاجتماعية. غير أن أهم تلك المناظرات هى تلك التى تتعلق بتوجهات المؤسسات العائلية والدينية والمؤسسات والحركات الأخرى مسيسة الصلة بالتربية الأخلاقية مثل المؤسسات الدينية والتى قد تكون منغمسة كلية فى توجهات تغذى الكراهية أو الاحتقار والرفض للأخر الدينى أو الثقافى. وتثير مثل تلك الاشكاليات قضايا لا حصر لها بخصوص الاختيارات الممكنة للسياسة التربوية والثقافية, حيث لا يمكن حرمان أى شخص من التزود بعناصر أساسية من ثقافته ولكن هذا التزود لا يجب أن يقوده الى العنف والكراهية والعقل المغلق ونزعات الانتقام أو التعلق بتلك النزعات كحقائق مطلقة. كما أن تعدد وضمان الحريات الدينية والسياسية يطرح اشكالية الكيفية التى يمكن بها مباشرة التربية الأخلاقية المدنية فى سياقات قد تغذى نزعات مضادة. وأخيرا فان هناك اشكالية الكيفية التى يمكن بها استرداد الوظيفة التربوية لتعليم تباشره هيئات بيروقراطية قد لا تكون مخلصة للمسئولية والرسالة الأخلاقية المدنية التى نتحدث عنها.
2) استرداد الصلة العضوية بين التعليم والحياة الاجتماعية. وقد اسلفنا أن العزلة التى تعيشها غالبية أنظمة التعليم المعاصرة قد تنطوى على اطلاق للنزعات غير الاجتماعية أو العنيفة أو تلك التى تتضمن تشيؤا واضحا فى رؤى العالم والصور الشائعة عن الحياة. ومع ذلك فان استرجاع تلك الصلة لا يجب أن يعنى حصر رؤية العالم فى هيئات محددة أو التعلق بما قد ثبثه من معتقدات ونزعات قد لا تكون مؤاتية للمشروع الحضارى الجديد الذى نتحدث عنه. ومن هنا يجب أن نعرف تعريفا دقيقا ما نعنيه باستعادة الصلة بين التعليم والحياة الاجتماعية والكيفية التى تضمن أن يكون مرود هذه الاستعادة ايجابيا والمؤسسات القادرة والراغبة فى الاضطلاع بهذه المهمة. وعلى سبيل المثال قد نفكر بمنظور ثورى فى تحويل المجتمع كله الى وشة تعليمية ونشر مهمة التعليم والتربية على عدد كبير من المؤسسات بما فيها مؤسسة المدرسة. ويعنى ذلك أن يتعلم الطلاب فى المصانع والمكاتب والمؤسسات الأخرى للمجتمع جوانبا معينة من الحياة ليفهم الطلاب كيف انعكست ووظفت طائفة واسعة للغاية من المعارف عن الطبيعة والمجتمع على السواء فى الممارسة.
وفى نفس الوقت يجب تخصيص أوقات معينة لتعلم الأصول العلمية التجريدية وهى التى نسميها العلوم الأساسية سواءا داخل مقرات مخصصة لهذا الغرض فى هذه المؤسسات أو فى مؤسسات مخصصة للتعليم الأساسى وهى ما نسميه حاليا بالمدرسة أو الفصول التعليمية. ويمكن لمثل هذا التصور أن يحقق ما نريده من تعليم مستمر ومتواصل مدى الحياة. كما يمكن أن يكون التعليم ذاته أمرا أكثر مرونة وحرية مما هو متاح حاليا حيث يمكن أن يداوم المرء على الدراسة وحدها طوال فترة التعليم أو يتوقف قليلا لكى يقوم بأعمال ووظائف يتلقى فيها تعليما تجريبيا وحقليا ثم يعود لمقاعد الدراسة المتخصصة. وقد يمكن أيضا أن يغرف المرء طوال حياته من نمط التعليم الذى توفره مؤسسات العمل والانتاج دون جاجة للذهاب الى مدرسة أو جامعة أصلا لأنه يحصل على المعارف التى يحتاج لها فى الميدان وان يصورة أرقى كثيرا جدا من المفهوم البسيط للتدريب فى الموقع.
3) التأكيد على التكامل المعرفى. وربما يكون هذا المبدأ هو أكثر الطرق فعالية فى الدفع نحو التطور الأخلاقى وضمان غرس المسئولية الاجتماعية والانسانية والمدنية للتعليم. فلابد من تجاوز ونفى الفكرة التى تقول بأن هدف العلم والمعرفة هى السيطرة على الطبيعة وهو ما يعنى فى الواقع تخريبها واشاعة الفوضى فى نظامها الحيوى. كما لابد من انهاء العزلة بين المعرفة الاجتماعية وتلك المتعلقة بالطبيعة لأن الانسان هو جزء لا يتجزأ من الطبيعة أو الخلية العاقلة فى منظومتها الحيوية. وكذلك لابد من نفى وتجاوز الفكرة التى تقول بأن المعارف الخاصة بالطبيعة بما فى ذلك قوانين الكيمياء ومبادىء الرياضيات وغيرها من المعارف التامة والتطبيقية تمكن استخدامها على أى نحو دون تكلفة.
فتفضيل التوظيف التدميرى للطاقة النووية بمجرد تطبيق علوم الطبيعة ليست قرارا معرفيا بل قرار سلطوى معاد للمعرفة والعقل ويؤدى الى ضريبة فادحة لا بالنسبة لأعداء بعينهم بل بالنسبة للجميع. وتوجيه تكنولوجيا الدمار الشامل أو الجزئى الى أعداء مفترضين ليس قرارا يتفق مع المعرفة السليمة لأن القاتل يخسر على نحو لا يقل أثرا عن المقتول بغض النظر عن ذرائع القتل, وهكذا. ان الفكرة الت يجب أن نتطلع اليها هى أن اعادة التكامل بين أوجه وميادين المعرفة هو أمر يعيد الحساسية الانسانية التى نضحى بها من خلال تشظيتها وتجزئتها على النحو المعروف فى النظم المدرسة الحالية. اننا لا نناقش هنا قضية أكاديمة ولا نطلب مجرد العمل وفق ما صار معروفا باسم تكامل نظم المعرفة. فالأهم هو أن يدرك الطلاب أن ما يعرفونة من اكتشافات وتكنولوجيات هى جميعا جوانب لنفس الشىء. فالمعارف الفلكية عن الأجرام السماوية ليست منفصلة عن الابداع الشعرى حولها وليست منفصلة عن قوانين الرياضيات التى نسخرها لفهم هذه الأجرام ولا عن المركبات الكيماوية التى نتعرف على خصائصها ولا عن التراث الطويل من الاسترشاد بها فى الحركة والملاحة وأن المعلومات السوسيولوجية ليست منبته الصلة باالنمط المحدد من التطور التكنولوجى أو خصائص السلطة فى مختلف المراحل والحقب التاريخية أو انماط التنظيم والادارة التى ترسخها تلك السلطات. ولا توجد أدنى امكانية للفصل بين الاقتصاد وسبل المعيشة والتنظيم الاجتماعى. ويجب أن نطرح تكامل العملية المعرفية ومن ثم التعليمية على نحو يثير الدهشة أو حتى السخرية من ضيق الأفق الذى فرض أنماطا محددة من التوظيف والمعارف التى أخذنا بها بينما كان يمكن أن تكون اختياراتنا أكثر رشدا وانسانية. والمهم فى ذلك كله أن نفهم أن العلم والتكنولوجيا ليست أشياء منفصلة عن انسانيتنا ولا يجب أبدا أن نتوافق مع الادعاء بأنها هى التى تحدد حياتنا بينما من يحددها هى سلطات اجتماعية وبشرية ضيقة وليست سلطة التكنولوجيا بذاتها أو سلطة الجميع الناتجة عن الاختيار العاقل والحر. ويمكن فى هذا السياق التفكير فى القوالب التعليمية التى تحقق هذا الغرض. فينبغى مثلا أن نبدأ برواية واحدة ومستمرة ومتغيرة هى رواية الحياة الانسانية كما وقعت فى التاريخ لكى نشرح كيف تتم المعارف وما هى الاكتشافات التى حققناها وتلك التى يمكن تحقيقها عبر مستقبل مختلف, وبذلك تعود الرياضيات للاندماج مع الكيمياء والطبيعة وتعود هذه الهموم المعرفية للاندماج مع المعرفة بالمجتمع والسياسة, وهكذا.
4) تنوع وتضافر وتوزان المؤسسات القائمة على التعليم: ويعنى ذلك أن نفكر فى تعليم ما بعد المدرسة أو ما بعد التعليم الجماهيرى والنمطى والمعزول فى أبنية مدرسية ونظم بيروقراطية صارمة. واذا قبلنا بمبدأ نشر المهمة التعليمية على عدد كبير من المؤسسات التى تشغى بها الحياة يجب أن ننهى نفوذ وسلطة الشهادات على الأقل بالمعنى الذى ساد طويلا فى ايديولوجيا التعليم والايديولوجيات البيرقراطية والطبقية السائدة. فالشهادات ليست مدخلا للانتماءات الطبقية المتراتبة رأسيا. وثنائية المتعلم –الجاهل أو صاحب الشهادة- الأمى ليست فقط زائفة ولا علاقة لها بالحقيقة بل هى أيضا ضارة بالجميع. فالعلم ليس القدرة على استرجاع معلومات ما صحيحة أو زائفة وانما هو امتلاك ناصية الحكمة والتطلع للأفكار المؤسسة على دليل وخبرة حقيقية من أجل التصرف بصورة سليمة مع أسئلة الحياة بما فيها الانتاج الاقتصادى. ومن هذا المنظر فالمستقبل يجب أن يكون تعليما يعنى بالتنوع الأفقى للمهارات والمواهب وليس الترتيب الرأٍسى للمكانات ومن ثم الثروات والسلطات. والتعليم الحقيقى هو القدرة على الذهاب الى ما هو ابعد من الخبرة الحسية بالتكراريات الظاهرية للظواهر والتعرف على الامكانيات الكامنة فى احتمالات متعددة لفكها وتركيبها وهو ما يعنى ايضا التعرف على القوانين التجريدية لحركة الأشياء. واذا كان التعليم هو الذهاب فى المعرفة الى ما هو أبعد من الخبرة فان التعليم الذى لا يستند على الخبرة ليس تعليما وذلك الذى لا يمكن الناس من التعرف على الطرق المتعددة لفك وتركيب وتوظيف الأشياء والظواهر من أجل تعزيز وتحسين الحياة ليس تعليما. ولهذا السبب يجب أن تتوزع عملية التعليم على كافة مؤسسات وطاقات المجتمع ويجب ألا يسمح باحتكار أية جهة أو مؤسسة للمهام التعليمية. ويدفع هذا المنظور للتعليم الى اعادة صياغة المؤسسات ذاتها بما يتفق مع المعرفة بالاحتمالات المتعددة لتنظيمها وتخصيصها فى الانتاج والادارة
1) استرداد الوظيفة الأخلاقية والتربوية للتعليم على كافة المستويات. واذا كنا نفكر فى التعليم كأداة لبناء حضارة انسانية جديدة فى سياقات تعدية ثقافيا واجتماعيا ودينيا فان علينا التركيز على أخلاقيات الحياة المدنية المأمولة وهو ما يعنى التركيز على التربية المدنية. ويثير هذا التوجه قضايا لا حصر لها تكمن فى صميم فكرتنا عن مجتمعاتنا وهوياتنا المتعددة. وقد أثيرت بالفعل مناظرات ذات صلة بهذا التوجه أثناء المفاوضات حول كثرة من التشريعات الدولية وخاصة تلك المتصلة بحقوق الطفل. وعلى سبيل المثال لابد من طرح أسئلة حول تربية الطفل على الأسس والموروثات ذات الصلة بهوية أباءه. ولكن ذلك قد ينطوى على ما يعد تربية غير مناسبة على بعض الافكار والنوعات الكارهة للأخر أو التى تزرع عقدة تفوق فى نفوس النشأ. كما أثريت مناظرات أخرى تتعلق بمفهوم معين للحق فى التعليم تحول دون قيام الأطفال بأى نوع من الأعمال. وبالمقابل قد لا يكون ذلك أمرا ضارا بنهاية المطاف برفاهية الأسر الفقيرة فى المجتمعات المحرومة فحسب, بل قد تكون تلك الفكرة ضارة بتربية الأطفال من حيث أنها تعزلهم عن بعض أهم خصائص العملية التربوية السليمة بالمعنى الواسع للكلمة لأن التعليم والتربية المعزولة عن العمل قد لا تنتج غير تكوين تجريدى وقليل الحساسية للحياة الاجتماعية. غير أن أهم تلك المناظرات هى تلك التى تتعلق بتوجهات المؤسسات العائلية والدينية والمؤسسات والحركات الأخرى مسيسة الصلة بالتربية الأخلاقية مثل المؤسسات الدينية والتى قد تكون منغمسة كلية فى توجهات تغذى الكراهية أو الاحتقار والرفض للأخر الدينى أو الثقافى. وتثير مثل تلك الاشكاليات قضايا لا حصر لها بخصوص الاختيارات الممكنة للسياسة التربوية والثقافية, حيث لا يمكن حرمان أى شخص من التزود بعناصر أساسية من ثقافته ولكن هذا التزود لا يجب أن يقوده الى العنف والكراهية والعقل المغلق ونزعات الانتقام أو التعلق بتلك النزعات كحقائق مطلقة. كما أن تعدد وضمان الحريات الدينية والسياسية يطرح اشكالية الكيفية التى يمكن بها مباشرة التربية الأخلاقية المدنية فى سياقات قد تغذى نزعات مضادة. وأخيرا فان هناك اشكالية الكيفية التى يمكن بها استرداد الوظيفة التربوية لتعليم تباشره هيئات بيروقراطية قد لا تكون مخلصة للمسئولية والرسالة الأخلاقية المدنية التى نتحدث عنها.
2) استرداد الصلة العضوية بين التعليم والحياة الاجتماعية. وقد اسلفنا أن العزلة التى تعيشها غالبية أنظمة التعليم المعاصرة قد تنطوى على اطلاق للنزعات غير الاجتماعية أو العنيفة أو تلك التى تتضمن تشيؤا واضحا فى رؤى العالم والصور الشائعة عن الحياة. ومع ذلك فان استرجاع تلك الصلة لا يجب أن يعنى حصر رؤية العالم فى هيئات محددة أو التعلق بما قد ثبثه من معتقدات ونزعات قد لا تكون مؤاتية للمشروع الحضارى الجديد الذى نتحدث عنه. ومن هنا يجب أن نعرف تعريفا دقيقا ما نعنيه باستعادة الصلة بين التعليم والحياة الاجتماعية والكيفية التى تضمن أن يكون مرود هذه الاستعادة ايجابيا والمؤسسات القادرة والراغبة فى الاضطلاع بهذه المهمة. وعلى سبيل المثال قد نفكر بمنظور ثورى فى تحويل المجتمع كله الى وشة تعليمية ونشر مهمة التعليم والتربية على عدد كبير من المؤسسات بما فيها مؤسسة المدرسة. ويعنى ذلك أن يتعلم الطلاب فى المصانع والمكاتب والمؤسسات الأخرى للمجتمع جوانبا معينة من الحياة ليفهم الطلاب كيف انعكست ووظفت طائفة واسعة للغاية من المعارف عن الطبيعة والمجتمع على السواء فى الممارسة.
وفى نفس الوقت يجب تخصيص أوقات معينة لتعلم الأصول العلمية التجريدية وهى التى نسميها العلوم الأساسية سواءا داخل مقرات مخصصة لهذا الغرض فى هذه المؤسسات أو فى مؤسسات مخصصة للتعليم الأساسى وهى ما نسميه حاليا بالمدرسة أو الفصول التعليمية. ويمكن لمثل هذا التصور أن يحقق ما نريده من تعليم مستمر ومتواصل مدى الحياة. كما يمكن أن يكون التعليم ذاته أمرا أكثر مرونة وحرية مما هو متاح حاليا حيث يمكن أن يداوم المرء على الدراسة وحدها طوال فترة التعليم أو يتوقف قليلا لكى يقوم بأعمال ووظائف يتلقى فيها تعليما تجريبيا وحقليا ثم يعود لمقاعد الدراسة المتخصصة. وقد يمكن أيضا أن يغرف المرء طوال حياته من نمط التعليم الذى توفره مؤسسات العمل والانتاج دون جاجة للذهاب الى مدرسة أو جامعة أصلا لأنه يحصل على المعارف التى يحتاج لها فى الميدان وان يصورة أرقى كثيرا جدا من المفهوم البسيط للتدريب فى الموقع.
3) التأكيد على التكامل المعرفى. وربما يكون هذا المبدأ هو أكثر الطرق فعالية فى الدفع نحو التطور الأخلاقى وضمان غرس المسئولية الاجتماعية والانسانية والمدنية للتعليم. فلابد من تجاوز ونفى الفكرة التى تقول بأن هدف العلم والمعرفة هى السيطرة على الطبيعة وهو ما يعنى فى الواقع تخريبها واشاعة الفوضى فى نظامها الحيوى. كما لابد من انهاء العزلة بين المعرفة الاجتماعية وتلك المتعلقة بالطبيعة لأن الانسان هو جزء لا يتجزأ من الطبيعة أو الخلية العاقلة فى منظومتها الحيوية. وكذلك لابد من نفى وتجاوز الفكرة التى تقول بأن المعارف الخاصة بالطبيعة بما فى ذلك قوانين الكيمياء ومبادىء الرياضيات وغيرها من المعارف التامة والتطبيقية تمكن استخدامها على أى نحو دون تكلفة.
فتفضيل التوظيف التدميرى للطاقة النووية بمجرد تطبيق علوم الطبيعة ليست قرارا معرفيا بل قرار سلطوى معاد للمعرفة والعقل ويؤدى الى ضريبة فادحة لا بالنسبة لأعداء بعينهم بل بالنسبة للجميع. وتوجيه تكنولوجيا الدمار الشامل أو الجزئى الى أعداء مفترضين ليس قرارا يتفق مع المعرفة السليمة لأن القاتل يخسر على نحو لا يقل أثرا عن المقتول بغض النظر عن ذرائع القتل, وهكذا. ان الفكرة الت يجب أن نتطلع اليها هى أن اعادة التكامل بين أوجه وميادين المعرفة هو أمر يعيد الحساسية الانسانية التى نضحى بها من خلال تشظيتها وتجزئتها على النحو المعروف فى النظم المدرسة الحالية. اننا لا نناقش هنا قضية أكاديمة ولا نطلب مجرد العمل وفق ما صار معروفا باسم تكامل نظم المعرفة. فالأهم هو أن يدرك الطلاب أن ما يعرفونة من اكتشافات وتكنولوجيات هى جميعا جوانب لنفس الشىء. فالمعارف الفلكية عن الأجرام السماوية ليست منفصلة عن الابداع الشعرى حولها وليست منفصلة عن قوانين الرياضيات التى نسخرها لفهم هذه الأجرام ولا عن المركبات الكيماوية التى نتعرف على خصائصها ولا عن التراث الطويل من الاسترشاد بها فى الحركة والملاحة وأن المعلومات السوسيولوجية ليست منبته الصلة باالنمط المحدد من التطور التكنولوجى أو خصائص السلطة فى مختلف المراحل والحقب التاريخية أو انماط التنظيم والادارة التى ترسخها تلك السلطات. ولا توجد أدنى امكانية للفصل بين الاقتصاد وسبل المعيشة والتنظيم الاجتماعى. ويجب أن نطرح تكامل العملية المعرفية ومن ثم التعليمية على نحو يثير الدهشة أو حتى السخرية من ضيق الأفق الذى فرض أنماطا محددة من التوظيف والمعارف التى أخذنا بها بينما كان يمكن أن تكون اختياراتنا أكثر رشدا وانسانية. والمهم فى ذلك كله أن نفهم أن العلم والتكنولوجيا ليست أشياء منفصلة عن انسانيتنا ولا يجب أبدا أن نتوافق مع الادعاء بأنها هى التى تحدد حياتنا بينما من يحددها هى سلطات اجتماعية وبشرية ضيقة وليست سلطة التكنولوجيا بذاتها أو سلطة الجميع الناتجة عن الاختيار العاقل والحر. ويمكن فى هذا السياق التفكير فى القوالب التعليمية التى تحقق هذا الغرض. فينبغى مثلا أن نبدأ برواية واحدة ومستمرة ومتغيرة هى رواية الحياة الانسانية كما وقعت فى التاريخ لكى نشرح كيف تتم المعارف وما هى الاكتشافات التى حققناها وتلك التى يمكن تحقيقها عبر مستقبل مختلف, وبذلك تعود الرياضيات للاندماج مع الكيمياء والطبيعة وتعود هذه الهموم المعرفية للاندماج مع المعرفة بالمجتمع والسياسة, وهكذا.
4) تنوع وتضافر وتوزان المؤسسات القائمة على التعليم: ويعنى ذلك أن نفكر فى تعليم ما بعد المدرسة أو ما بعد التعليم الجماهيرى والنمطى والمعزول فى أبنية مدرسية ونظم بيروقراطية صارمة. واذا قبلنا بمبدأ نشر المهمة التعليمية على عدد كبير من المؤسسات التى تشغى بها الحياة يجب أن ننهى نفوذ وسلطة الشهادات على الأقل بالمعنى الذى ساد طويلا فى ايديولوجيا التعليم والايديولوجيات البيرقراطية والطبقية السائدة. فالشهادات ليست مدخلا للانتماءات الطبقية المتراتبة رأسيا. وثنائية المتعلم –الجاهل أو صاحب الشهادة- الأمى ليست فقط زائفة ولا علاقة لها بالحقيقة بل هى أيضا ضارة بالجميع. فالعلم ليس القدرة على استرجاع معلومات ما صحيحة أو زائفة وانما هو امتلاك ناصية الحكمة والتطلع للأفكار المؤسسة على دليل وخبرة حقيقية من أجل التصرف بصورة سليمة مع أسئلة الحياة بما فيها الانتاج الاقتصادى. ومن هذا المنظر فالمستقبل يجب أن يكون تعليما يعنى بالتنوع الأفقى للمهارات والمواهب وليس الترتيب الرأٍسى للمكانات ومن ثم الثروات والسلطات. والتعليم الحقيقى هو القدرة على الذهاب الى ما هو ابعد من الخبرة الحسية بالتكراريات الظاهرية للظواهر والتعرف على الامكانيات الكامنة فى احتمالات متعددة لفكها وتركيبها وهو ما يعنى ايضا التعرف على القوانين التجريدية لحركة الأشياء. واذا كان التعليم هو الذهاب فى المعرفة الى ما هو أبعد من الخبرة فان التعليم الذى لا يستند على الخبرة ليس تعليما وذلك الذى لا يمكن الناس من التعرف على الطرق المتعددة لفك وتركيب وتوظيف الأشياء والظواهر من أجل تعزيز وتحسين الحياة ليس تعليما. ولهذا السبب يجب أن تتوزع عملية التعليم على كافة مؤسسات وطاقات المجتمع ويجب ألا يسمح باحتكار أية جهة أو مؤسسة للمهام التعليمية. ويدفع هذا المنظور للتعليم الى اعادة صياغة المؤسسات ذاتها بما يتفق مع المعرفة بالاحتمالات المتعددة لتنظيمها وتخصيصها فى الانتاج والادارة
مواضيع مماثلة
» مشكلة التعليم
» نحو عدالة أشمل في التعليم الجامعي
» ذاكرة الإنسان.. إعجاز وبيان
» سوف يسأل عنها الإنسان يوم القيامة
» : لماذا يسقطُ مُتْعِبُ بنُ تَعْبَانْ في امتحان حقوق الإنسانْ؟
» نحو عدالة أشمل في التعليم الجامعي
» ذاكرة الإنسان.. إعجاز وبيان
» سوف يسأل عنها الإنسان يوم القيامة
» : لماذا يسقطُ مُتْعِبُ بنُ تَعْبَانْ في امتحان حقوق الإنسانْ؟
الموقع الرسمى لمدينة ميت مرجا سلسيل :: ҉ ][مجمع رياض الاطفال ومعاهد ومدارس مبت مرجا سلسيل ][ ҉ :: منتدى الطلاب الجامعيين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى